حماس القوية سياسيا قوية عسكريا في الضفة
تصاعدت في الآونه الأخيرة الدعوات والمطالبات والنداءات التي تطالب حركة حماس في الضفة الغربية بردود عسكرية ترقى لمستوى الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق أبناء الشعب الفلسطيني، سواء إبان حرب غزة وما ارتكب من جرائم أو مؤخرا بعد عملية حرق عائلة دوابشة .
لم يتوقف الأمر عند حد المطالبة بل تعداه للنقد القاسي، تارة بتذكير الحركة بالضفة بتاريخها السابق وأبطالها الذين أوجعوا الاحتلال، وتارة أخرى بالتهجم والانتقاد الكبير عن هذا السكوت الذي وصل بوجهة نظر البعض لحد الخنوع.
ولم يتوقف الشباب الذي ينتمي لحماس في الضفة الغربية عن الدفاع عن أنفسهم أمام الهجمه التي كان يشنها البعض بحقهم، وكل الردود التي كانت من الضفة أو حتى الدعوات التي كانت تصدر من خارج الضفة كانت تدور حول الموضوع ولم تناقش الموضوع بعمق .
لا تتحق الأمور بالأماني ولا تغير الدعوات والنداءات الواقع، ولا يمكن للنقد والهجوم والاتهام بالتقصير أن يغير الحال، وفهم القضية وتشخيص الواقع قد يساعد أو يساهم في فهم المشهد، وهنا سأحاول أن أوصل الصورة (من وجهة نظري)، وأنا هنا أكتب بصفة (مراقب) ومتابع، وأظن نفسي أني ارى الصورة عن قرب وأستطيع أن أشخص الحالة .
أولا : من يظن أن حركة حماس هي حركة مقاومه وأن لها جناح واحد فقط وهو الجناح العسكري فقد جانب الصواب، فحماس تنظيم سياسي واجتماعي قبل أن يكون عسكري، وفي الوقت الذي كانت حماس فيه قوية على الصعيد السياسي من خلال وجودها وحضورها ورسمها للمشهد الفلسطيني ككل على الصعيد السياسي، وكانت قوية أيضا اجتماعيا من خلال المؤسسات الخدماتية التي كانت تعين وتساعد الناس، فقد كانت حماس تقاوم على الأصعده السابقة منذ عقود ومن ثم قويت عسكريا الى أن وصلت لما وصلت له من قوه وانتشار .
ثانيا : أثبتت التجارب والأيام أنه في الوقت الذي تكون فيه حماس قوية على الصعد السياسية والاجتماعية فانها تحدث تقدما على الصعيد العسكري، فذروة نشاط حماس الاجتماعي خلال الانتفاضتين وبداية انتفاضة الأقصى أوصلها للقوة العسكرية التي كانت من خلالها تصول وتجول وتؤلم المحتل .
ثالثا : حماس التي غاب قادتها بعد اغتيال أغلبهم في الضفة الغربية وفق سياسة واضحة اتبعها الاحتلال، أوصلها رويدا رويدا للحالة والمرحلة الحالية ، وقد ثبت بشكل واضح علاقة الجناح السياسي بداية الانتفاضة الثانية بالعمل العسكري سواء كان ذلك عن قرب وبشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، من خلال توفير المال والدعم المعنوي وغيره من الأشكال .
رابعا :قبل أحداث غزة 2007 والمتمثلة بالانقسام، كانت حماس في الضفة الغربية تعاني حالة ضعف على صعيد المقاومة العسكرية لأنها كانت مستنزفة بشكل كبير، وعمليات الرد التي حدثت على اغتيال الشيخ أحمد ياسين والرنتيسي كانت جيده ولكنها ليست بحجم الاجرام الاسرائيلي حسب توقعات جميع المراقبين، ولعل اعتقال ابراهيم حامد منتصف 2006 هو نهاية عهد المطاردين الكبار، الذي كان مجرد مطاردته عباره عن قنبلة كبيرة موقوته تملكها حماس التي جنحت باتجاه السياسة في حينه، وهنا اكرر اني اتحدث عن الضفة .
خامسا : ذروة قوة حماس الشعبية كانت عام 2005-2006 والتي مكنها من الوصول للمجلس التشريعي، وكانت الريات الخضراء والدعاية الانتخابية تملأ جنبات المكان مستخدمة نجاحاتها على الصعيد العسكري بداية الانتفاضة الثانية، ومستفيدة من خدمتها وقربها من الناس على الصعيد الاجتماعي، من خلال لجان الزكاة ومؤسساتها الصحية وغيرها .
سادسا : المراقب عن قرب كان يلمس ويستطيع أن يميز أن القوة شعبية كانت من 2005-2006 وليست سياسية، وبمعنى أدق أن تفاعل وتعاطف الناس مع حماس كان شعبيا، ولم يكن لدى حماس قادة سياسية خارقة تحظى باجماع مطلق كتلك التي تم اغتيالها، ولم تكن الحركة قادرة على إبراز الشخص (السوبر) أو القائد الملهم صاحب الخطاب الجامع المتفق عليه بعيدا عن المناطقية .
سابعا : بعد الإنقسام الفلسطيني وما حدث بغزة والهجمه التي حدثت على الحركة بالضفة، ظهر بشكل كبير هذا الضعف السياسي وخلو الساحة من القائد القادر على اتخاذ قرارات جريئة، والقادر على إصدار قرارات وإخراج مبادرات وفرض واقع ، والقادر على الإجابة على أسئلة كثيرة كانت تسأل، وبات الشاب يواجه مصيره لوحده وحدث ما حدث، ولا أريد ان أتحدث عن التفاصيل،| أريد فقط أن أصل لنتيجة هذا المقال المكتوبة في عنوانه .
ثامنا : المراحل التي أوصلت الضفة أو بشكل خاص "حماس الضفة" لهذه الحالة بدأت بعد أن ضعفت سياسيا وغاب القائد عن الساحة، ولم يتسطع أحد أن يملأ هذا الفراغ، فباتت الحركة ضعيفة سياسيا لعدم وجود القائد، ناهيك عن العمل السياسي وتوزيع المناصب وعدم إرضاء الجميع، وما خلفته هذه المرحلة التي يجب الحديث عنها باستفاضة .
أنا شخصيا مقتنع بنظرية (السمات) في الادارة والتي تتلخص بضرورة وجود شخص بسمات مميزه قيادية قادرة على إدارة المؤسسة أو الحزب او الحركة، وهذا ليس من السهل إيجاده، فهو يولد ولديه هذه السمات التي تتطور مع الوقت .
لمن يريد أن تعود حماس كما كانت قوية، واظن أن الجميع يتمنى ذلك، فحماس القوية بالضفة الغربية ستشكل رادعا حقيقيا للاحتلال وسياساته، عليه أن يفكر أولا بحماس العمل الاجتماعي والسياسي، والذي بتقديري لن يسمح لها إطلاقا على إعادته قبل إن يفكر بحماس القوية عسكريا، ففي الوقت الذي تكون فيه حماس قوية على جميع تلك الصعد ستتحول لحركة قوية على الصعيد العسكري المبنى على استراتيجيات، وليس على هبات عاطفية .
لا تتحق الأمور بالأماني ولن تفلح الدعوات بتغيير واقع فرض وأصبح حقيقة، فقد بح صوت قائد حماس الملهم خالد مشعل بعد الانقسام وهو ينادي يا أهل الضفة يا رجال الضفة، دون أن يتمكن أحد من تلبية ندائه وتحقيق مطالبه، وقد قلت في حينها لن يكون هناك رد وردود لأن النداء الموجه يجب أن يكون ليس لهذه الفئة .
وقبل أن أختم، مخطئ من ظن أو يظن أن أحد سيمسح لهذه الحركة من لملمة نفسها بالضفة، ومخطئ أكثر من يظن أن التنظيم المحلول فعليا بفعل الواقع والضعيف على الصعيد السياسي، قادر على أن يكون قويا على الصعيد العسكري، ولعل ثماني سنوات وأكثر من عمر الانقسام أوصلنا لهذا الفهم وهذه النتيجة، لن يسمح أحد لحماس بالعوده قوية في الضفة الغربية، وتغيير هذا الحال ضمن الواقع الحالي بيد الله أولا، وبمدى قناعة الاخرين السماح لحماس بالعمل ثانيا.
هذه محاولة لتقريب الصورة وشرح الواقع أقدمها من زاويتي ومن وجهة نظري، مؤكدا أني أتحدث عن قناعات خاصة، قد أكون مخطئ في بعضها ومصيب في بعضها، ولكنها محاولات وقراءات لتقريب البعيد وتوضيح الصورة .
وسوم: العدد 633