«حتف» حفتر ونموذج السيسي

لم يكن الهجوم الذي أعلنته قوات خليفة حفتر، قائد القوات الموالية للحكومة «المعترف بها»، على بنغازي قبل يوم واحد من موعد إعلان الأمم المتحدة توقيع اتفاق ينهي النزاع في ليبيا مفاجئاً، فالهدف الواضح من ذلك الهجوم الذي سمّي «الحتف» (فيما يشبه تلاعباً مضحكاً بأحرف كنية قائد الهجوم) هو إعادة ساعة التسوية الليبية إلى حيث بدأت.

جاء هذا الهجوم بعد نجاح بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا في إعادة الوفاق إلى وفد الخارج بين مقاطعين وموافقين على الاتفاق، وهو ما اعتبره حفتر، على ما يبدو، فشلاً في استخدام جزء من الوفد لعرقلة الباقين ومنع الاتفاق ما أدى إلى تحركه العسكري المباشر.

تبيّن الخطوة العسكرية لحفتر، بداية، أن فشل الجنرال المذكور، يمكن أن يتكرر لو أن وطأة قبضته العسكرية تنفك عن مجلس طبرق ونوابه الواقعين تحت تأثير وزنه العسكري الثقيل وهو الأمر الذي يضطرهم للضغط على زملائهم في الخارج والامتناع عن أي تسوية تعيد توحيد السلطات التشريعية والتنفيذية الليبية، وتباشر بمهام التنمية والعدالة التي ينتظرها الليبيون منذ سقوط نظام معمر القذافي.

وهكذا رأينا مجلس النواب، وبمفارقة لا تخفى على عين المراقب، يعلن رفضه للاتفاق الذي وقعه الوفد الذي يمثله في منتجع الصخيرات المغربي، وقرأنا بيانا صادرا عن «اللجنة البرلمانية لمتابعة الأوضاع الطارئة» يدعو الوفد لمغادرة المحادثات والعودة إلى ليبيا، وهو ما يعني أن مهمة الوفد كانت، بحسب أجندة حفتر، هي إفشال أي اتفاق وليس العكس، وأن إعادته الجغرافية إلى ليبيا هي لإخضاعه مجدداً لتأثير القوة الكاسرة لحفتر.

وقد تابعنا استهتار هذه القوة الكاسرة لحفتر بالبرلمان وبالحكومة ورئيسها حين قررت ثلة من جنود حفتر منع رئيس الوزراء الليبي عبد الثني من زيارة بنغازي وأوقفوا قافلته، وهو ما كررته مؤخرا بمحاولة منعه من السفر بالطائرة إلى مالطا. 

ما يعنيه الهجوم، إضافة إلى ما سبق، أن الرعاة الإقليميين لخليفة حفتر، وبالخصوص نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يعملون بدون تردد على استمرار الأزمة الليبية، ومنع ظهور سلطة ليبية قوية جديدة، لأن ذلك سيكف يد هؤلاء الرعاة ويضعف تأثيرهم على البلاد.

والواضح أن النظام المصري يعتبر الاتفاق مع مجلس نواب طرابلس وحكومتها الموازية إجهاضا للنموذج الذي بناه بعد أحداث 30 حزيران/يونيو المصرية وما تبعها من اعتقال الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي وموجة القمع الفظيعة التي تلته لجماعة الإخوان المسلمين وعلى الناشطين السياسيين المعارضين عموماً، وصولاً إلى تنصيب السيسي.

التسوية الليبية، تحت الإشراف الأممي، لو حصلت، لا تعني أن الليبيين قرروا اختيار سياق سياسي مختلف عن جارتهم الكبرى فحسب، بل تعني، بالنسبة للنظام المصري ونخبته الحاكمة، إدانة كبرى للطريق الذي سارت فيه مصر تحت إدارة السيسي.

وبهذا المعنى فإن الطريقة السياسية الليبية المقبولة، بالنسبة للقاهرة، هي طريقة المواجهة مع الإخوان المسلمين، وفرض خليفة حفتر سلطته العسكرية على كافة أنحاء ليبيا، وبذلك يتعزز النموذج المصري، وتستكمل التبعية الليبية لمصر.

هذا السياق مليء بالتناقضات التي تفضحها الأحداث الليبية، ففي الحين الذي تتعرض الحكومة الليبية الموازية لهجمات من قبل الفرع الليبي من «الدولة الإسلامية»، يشنّ حفتر هجومه على بنغازي معلناً استهدافه قوات حكومة طرابلس التي تواجه التنظيم الإرهابي، وبذلك فإن هجومه على قوات حكومة طرابلس سيقوّي التنظيم ولن يضعفه، رغم زعمه مهاجمة كل الأطراف المسلحة في بنغازي.

امتناع هذا المنطق السياسي البسيط على حفتر يعود، بداية، إلى نسخه لرؤية القاهرة التي تضع كافة التنظيمات الإسلامية في سلّة واحدة لتبرير عدائها القائم والمستمر ضد الإخوان المسلمين بالتحديد (وهو ما أدّى بالنتيجة إلى استفحال التطرّف وتزايد الإرهاب في مصر) ولا يعني التزامه بالنموذج المصري أن حفتر أكثر حصافة من رعاته، فكل تصرفاته وأقواله تدلّ على رغبته العارمة في إعلان نفسه دكتاتوراً جديداً خليفة للقذافي، وفي سبيل ذلك تهون أرواح الليبيين.

وسوم: 634