القرآن واللغة العربية
في مجلس ثقافي جليل استمعت إلى أخ كريم يقدم محاضرة حول "الرغبوية والاستشرافية"بشأن مستقبل اللغة العربية..وهنا أسجل أن المحاضر ترك لديَّ انطباعاً بأنه كفاءة فكرية واعدة..إلا أنني لمست أن لديه شيئاً من التداخل في المفاهيم..وأنه بحاجة إلى دقة في تحرير المصطلحات التي يستخدمها..وهذا بداية لا يقلل من إشراقة طروحاته فكلٌّ منا يُؤخذ منه ويُرد..وأذكر هنا نقطتين يحتاج بشأنهما إلى مراجعة دقيقة الأولى قوله:"أن القرآن ليس حافظاً للغة العربية على الإطلاق..فهو حفظ فقط جزءاً يسيراً منها وهناك أجزاء عديدة خارج القرآن بحاجة إلى حفظ"والثانية قوله:"أن القضاء والقدر يُعطِّل منهجية المخاطرة"وعقب المحاضرة قلت معقباً:قولك بأن القرآن لم يحفظ اللغة فهذا أمر خطير يحتاج منك إلى مراجعة..فالأمة مجمعة على حفظ القرآن الكريم للغة العربية من حيث كليات وأصول قواعدها وعلومها..وأن القرآن الكريم هو المرجع الأوثق والأدق بهذا الشأن..أما إن كنت تقصد بحفظ المنتج اللغوي من حيث الأدب والنثر والشعر والمفردات وتفاصيل علوم اللغة..فقولك صحيح فالقرآن ليس كتاب علوم للغة العربية..فهذا أمر يتعلق بأهل اللغة من حيث التفصيل بعلومها(النحو والبلاغة والنثر والشعر والنقد والتحليل وغيرها) ومعاجم ومجامع اللغة اهتمت بمفرداتها وتصريفاتها اللغوية..وحررت المفاهيم الغامضة منها واستنبطت المصطلحات والمفردات استجابة لمستجدات الحياة..أما قولك:"أن القضاء والقدر يُعطِّل منهجية المخاطرة- مع التحفظ على عبارة مخاطرة- ففيه لبسٌ ومغالطة كبيرة..يحتاج منك كذلك إلى مراجعة وتحرّي دقيق..فالقضاءُ والقدرُ تأصيلٌ وتأكيدٌ لشمولية إرادة الله في تقرير أحداث الكون وأفعال الخلائق..فهو جلَّ جلاله يمنع ما يشاء وينفذ ما يشاء إن شاء..وهذا لا يتعارض مع حرية أفعال البشر وأداء مهمتهم في النهوض بمهمة الاستخلاف في الأرض وعمارتها وإقامة الحياة..فالله تعالى يقول:"فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ"ويقول جلَّ شأنه:"وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ"ورسولنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يؤكد ذلك بقوله"اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ"وبعد أيستقيم قولك بالتناقض بين القضاء والقدر وواجب السعي والاجتهاد والإبداع وتحقيق الطموحات..؟
وسوم: 634