جهادُ الطلبِ

د. حامد بن أحمد الرفاعي

ابتدعَ بعضُ المُسلمين مُصطلحَ ما يُسمى"جهادُ الطلبِ"وبعضهم يسميه جهادُ السيفِ..وفي الجمعة الماضية سمعت خطيب جمعة ينادي الأمة الإسلامية قائلاً:(يا أمة السيف !) وابتداء أقول لو أنهم قالوا:جهاد الدعوة أو جهاد التبليغ والبيان لما اختلف معهم أحد..بل لوجدوا الترحيب والتأييد من كافة المسلمين..لأن الدعوة والتعريف بدين الله بالحكمة والموعظة الحسنة جهاد مقرر بدين الله ومرغب فيه..بل هو الأصل الدائم للجهاد لقوله تعالى:"وجاهدهم به جهاداً كبيراً"أي القرآن الكريم..إلا أنهم يصرون على ما ابتدعوا من مصطلح يخدم مقاصد فهمهم الخاطئ في التعامل مع غير المسلمين..الفهم الذي يقرر:أن ليس للناس مع المسلمين إلا خيارات ثلاثة:(الإسلام،القتال،الجزية)ولتبرير هذا الفهم والاعتقاد اختاروا آيات من القرآن الكريم فسموها (آيات السيف) وقالوا أنها نسخت غيرها من آيات الجهاد وصنوفه..واستقر أمر الجهاد عندهم على ما تتحدث عنه تلك الآيات مثل قوله تعالى:"قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ"وقوله تعالى:"قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ"أما من أين جاءت تسمية جهاد الطلب ..؟وما هو دليلهم الشرعي ..؟وهـل قال به رسول الله صلى الله عليه وسلم..؟وهل قال بها أحد مـن الخلفاء الراشدين ..؟وهـل وردت على لسان أحد مـن السلف الصالح ..؟كل هـــذه الأسئلة لا جواب لها عندهم إلا تأويلاتهم..وبعد ألا يتفق هذا الفهم الخاطئ مع ما يفتري المستشرقون بأن الإسلام انتشر بالسيف..؟الفرية التي ردها شاهد منصف من بني جلدته المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون حيث قال:"لم تكن القوة عاملاً في انتشار القرآن قطعًا..فقد ترك العربُ المغلوبين أحرارًا في المحافظة على دينهم..وإذ اعتنقت الشعوبُ النصرانية دين غالبيهم..فذاك لأن الفاتحين الجدد بدوا أكثر عدلاً نحوها مما كان عليها سادتُها السابقين"من كتابه حضارة العرب.

وسوم: 634