مشاكل دي مستورا وخطة الحل السياسي في سوريا
الرابط المختصر:
اسطنبول – مدار اليوم
انشغل السوريون منذ وقت طويل بفكرة الحل السياسي للقضية السورية، وتصاعد هذا الانشغال في الآونة الاخيرة بسبب الظروف الداخلية والخارجية المحيطة بالوضع السوري، والتي ادت الى ترديات متزايدة، كان الأبرز في معطياتها تصاعد القتل والتدمير والتهجير بصورة لاسابق لها.
وقد تعامل السوريون بصورة ايجابية مع جهود المبعوثيين الدوليين إلى سوريا، ونظروا لجهودهم الهادفة إلى إطلاق حل سياسي بشكل ايجابي أيضاً، الأمر الذي تأكد عملياً في الموافقة على بيان جنيف1 الذي اقرته المجموعة الدولية الخاصة بسوريا بناء على جهود المبعوث الدولي الأول كوفي عنان في العام 2012، ثم المشاركة في مؤتمر جنيف2 الذي رعته الأمم المتحدة نتيجة جهود المبعوث الدولي الثاني الأخضر الابراهيمي في العام 2014، وبعدها الترحيب بجهود المبعوث الثالث ستيفان دي مستورا، التي تمخضت عنها محتويات خطابه أمام مجلس الأمن الدولي مؤخراً، وصارت معروفة باسم خطة ديمستورا.
الترحيب السوري بجهود دي مستورا المدعومة ببيان رئاسي عن مجلس الأمن الدولي الذي أبدته المعارضة بأغلبية قواها السياسية والعسكرية والمدنية، موقف مبدئي، يتعلق بالفكرة. أما مايتعلق بمحتويات الفكرة فهذا أمر يتطلب معرفة تفاصيلها ومدى تلبيتها لأهداف وأحتياجات الشعب السوري الذي دفع الكثير نتيجة سياسات نظام الأسد وحلفائه، لكن محتويات الخطة وتفاصيلها، مازالت حبيسة أدارج دي مستورا وربما هي موجودة لدى فريقه أيضاً لاتتعداهم، وهذا يجسد مشكلة أولى، إذ لايجوز التعامل مع طرف معني بقضية عبر سياسة حجب المحتويات، إذا كان المطلوب أخذ موافقته على العملية، التي ينبغي أن يكون شريكاً وطرفاً أساسياً فيها.
مارشح عن الخطة هو أفكار عامة، الأهم فيها اعتمادها على بيان جنيف أساساً، وعلى حوار سوري – سوري، يصيغ تفاهمات، تكون أساساً في مفاوضات مقبلة، وأن الحوار السوري، يتكون من ثلاثة أطراف: النظام والمعارضة والمجتمع المدني، وأن مايجري سيكون تحت رعاية مجموعة اتصال دولي، أطرافه القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في الموضوع السوري.
الأفكار العامة تحيط بها مشاكل كثيرة، تحمل مفجرات جدية للخطة وعوامل فشل حقيقية لها، مما يعني ذهاب الجهود المبذولة من أجلها في الهواء، وضياع الوقت على السوريين الذين صار وقتهم، ذهاب إلى أعماق الكارثة الإنسانية قتلاً ودماراً وتهجيراً.
اعتماد الخطة على بيان جنيف لاغبار عليه، بل هو مطلوب، لأنه الإطار الدولي الوحيد المتوافق عليه في كل المستويات أساساً للحل السياسي. لكن في الافكار المطروحة، مايتعارض مع بيان جنيف1 في اهدافه ومحتوياته، وكذلك فكرة الحوار السوري – السوري، التي لها أهمية كبيرة، لكن هذا الحوار بحاجة إلى تحديدات زمنية ملزمة، وهذا شيء لم يشار إليه، وليس من المعقول ولا المقبول الشروع بحوار، قد يمتد اشهراً وربما سنوات في وقت يعاني السوريون مايعانوه.
وثمة مشكلة في موضوع أطراف الحوار من حيث هي ثلاثة، وفي الأصل دائماً كان المطروح طرفان، هما النظام والمعارضة كما في جنيف، وإضافة المجتمع المدني إلى الأطراف، يبدو توسيعاً، يؤدي لتهميش قوة وتمثيل المعارضة في الحوار، ليس لأن المجتمع المدني أبعد عن السياسة المباشرة في التجربة السورية، وأن في بناه وعلاقاته مشاكل تمنعه، أن يكون قوة مؤثرة ووزانة في الحوار ونتائجه، بل ايضاً لأن اختيار ممثليه وكذلك إختيار ممثلي المعارضه، سيكون مشكلة قائمة بخلاف ممثلي النظام الذين ستحددهم النواة الصلبة السياسية – الأمنية في النظام، الأمر الذي يضمن وحدة موقفها وتماسكها وتجانس أدائها.
ومهم في هذه النقطة، الإشارة إلى نتائج الحوار السوري – السوري، ستشكل محددات التوافقات على مستقبل سوريا. وهذا لايتجاوز المهمة الرئيسية للحوار في ايجاد قاعدة للحل السياسي فقط، بل هو يعطي هذه المجموعة غير التمثيلية، حق النيابة عن الشعب السوري في تحديد مستقبله، وهذا غير جائز بالظروف والشروط القائمة، التي يعيشها الشعب السوري.
نقطة أخرى في الخطة، تتمثل في تشكيل مجموعة الاتصال الدولي، التي وإن كانت ضرورية، فإن ضم إيران إليها، سيكون خطأ منهجياً وسياسياً كبيراً. إذ يفترض بأعضاء هذه المجموعة، أن يكونوا موافقين على أساس المهمة ومؤمنين بها، وهي الحل السياسي بمرجعية جنيف1، وإيمان إيران بالحل السياسي أمر مشكوك فيه نتيجة دورها في الحرب السورية، وإصرارها على بقاء النظام، وهي الطرف الوحيد بين المدعويين في مجموعة الإتصال الدولي وفي الأطراف المشاركة، التي لم توافق على جنيف1، وكان هذا سبب استبعادها من حضور جنيف2 على ماهو معروف، وتراجع الأمين العام للأمم المتحدة عن دعوته لها آنذاك لحضور المؤتمر.
في ظل هذه المعطيات وغيرها، يبدو دي مستوار وخطته للحل السياسي في سوريا وسط مشاكل، تحتاج إلى حلول ومعالجات، لاتوفرها سياسة التعتيم والضغوط والتعجيل، التي يتابعها دي مستورا وفريقه، وفق مايصفه البعض بسياسة الغموض البناء، خاصة إذا مورست تلك السياسة بشكل مزدوج، صراحة كاملة مع النظام، وتعتيم كامل أو شبه كامل وضغوط متواصلة على الشركاء الاخرين لحل قضية شديدة التعقيد.
وسوم: 634