المجرمون (إيد واحدة) مع الأسد
نتنياهو صديق لبوتين، ولا يحتاج لقرع الباب عند دخوله الكرملين، فقد سبق ووعده بوتين وأكد له أن السلاح الروسي في سوريا فقط «لمحاربة الإرهاب»، بمعنى أنه لضمان مصالح روسيا بالحفاظ على نظام الأسد، النظام الذي سقط في الواقع، وكانت آخر مظاهر انهياره هي مظاهرات السويداء، في إشارة واضحة لفقدان الثقة بالنظام. وهو في الواقع ما دعا روسيا إلى الهرولة السريعة في الأسابيع الأخيرة لتكثيف تدخلها المباشر، ذلك أن السويداء معقل الدروز، وهم أقلية في سوريا يزعم النظام حمايتها، انتفضت السويداء ضده، فمن هم الذين بقوا معه؟
ومما يثير الأسى، أن بوتين طمأن نتنياهو بأن «الجيش السوري غير معني بجبهة جديدة على الجولان!»، ولا بد أن نتنياهو ابتسم ابتسامته الخبيثة وقال في نفسه «متى كانت هناك جبهة على الجولان»! وقد كان كل من يقترب من الحدود من متمردين على الصمت على تلك الجبهة من فلسطينيين ولبنانيين وعرب يُتّهمون بالخيانة، ويتعرضون للسجن وحتى للقتل، بتهمة دفع البلاد إلى مواجهة غير متكافئة مع العدو!
كان بإمكان بوتين أن يقول لنتنياهو (حُطّ بالخرج)… يا رجل متى كانت آخر عملية إطلاق نار على جبهة الجولان من جندي نظامي سوري! ومتى قتل آخر جندي احتلالي في اشتباك على جبهة الجولان منذ عام 1973 مع جندي نظامي سوري وبأمر من النظام! يا رجل إحسبها منذ عام 1973 إلى اليوم، أين كانت معارك جيش النظام وفي أي المواقع وعلى أي أرض!
في الواقع بوتين طمأن نتنياهو، بأن الأمور تجري كما يحب ويرضى، وسيبقى هناك من يتحمل المسؤولية عن أي خرق للهدوء على جبهة الجولان، فقد اعتادت إسرائيل القيام بمعاقبة النظام وتأديبه كي يبقى (ولدا شاطرا)، وحثِّه على أن ينتبه أكثر في حراسة الحدود وإلا يعاقب. بوتين أكد له أن روسيا ستعمل بأن لا يحتاج حتى لعملية التأديب هذه.
من مصلحة إسرائيل وروسيا استمرار النظام الأسدي الفاسد والمخترق كالغربال، فإسرائيل تعرف كل صغيرة وكبيرة تدور داخل قمة هرم النظام، وأي نظام جديد قد يخرب ما بناه الموساد مع رجال النظام الفاسد! وعمليات الاغتيال التي مارستها إسرائيل على الأرض السورية والإغارات الدقيقة على أهداف من المفترض أن تكون سرية جدا وغيرها، تقول إن عيون إسرائيل موجودة في الحلقة الأضيق داخل النظام، ولهذا فهي تفضل بقاءه.
الأهم هو أنه من مصلحة إسرائيل بقاء نظام فجّر عداوات طائفية ومذهبية بتعنته وقمعه الدموي، لن تُمحى بسهولة، وتفضل أن يوغل النظام أكثر في مذابحه، وأن يرد عليها «داعش» بمذابح مذهبية مماثلة، كي تضمن عشرات السنين من العداء المذهبي والطائفي، فهذا أكثر ما يضمن أمن المحتلين والمستعمرين على مر التاريخ.
هذا أفضل بكثير من نظام جديد قد يأتي بقيم ديمقراطية حقيقية، تذيب الأحقاد الطائفية والمذهبية التي زرعها النظام بادعاء حماية الأقليات «من الذبح»، وقد عزز هذه الطائفية حليفاه إيران وحزب الله، وعمّقها تنظيم «داعش» الذي أنشِئ للهدف ذاته، وهو شيطنة الثورة السورية، ومن ثم شيطنة كل الثورة العربية الحديثة والقضاء عليها، كي لا تمتد أكثر، وهي مصلحة التقت فيها إسرائيل وأنظمة عربية وروسيا وأمريكا، بأن تبقى الأمة العربية والإسلامية ممزقة ومقسّمة مذهبيا وطائفيا، وأن يتعمق هذا التمزق أكثر وأكثر من خلال التذابح المذهبي والطائفي.
نتنياهو وأمريكا وروسيا مع بقاء نظام ضعيف، أقصى طموحه هو المحافظة على مصالحه ومصالح المحيطين به، هذا النظام الذي اعتبَر بقاء «الوضع القائم» نجاحا وانتصارا له، الأمر الذي يعني بقاء الاحتلال وتخليده، بل وإهدار طاقات وموارد النظام في تفسيخ التنظيمات الفلسطينية، من خلال تقريب تنظيم وإبعاد آخر، حسب ما تقتضيه مصلحة النظام، وهي اللعبة نفسها التي مارسها على الأرض اللبنانية بين الفرقاء هناك، تقريب الموالين وطحن وتفجير المناوئين وشق صفوفهم.
من مصلحة إسرائيل الإبقاء على نظام متهالك ضعيف فاشي، منحها فرصة للظهور كقوة ديمقراطية في المنطقة، رغم كل غباء نتنياهو وجرائمه أمام جرائم النظام، والجرائم المضادة التي مارسها «داعش»، الذي أتى ليكمل لعبة النظام الطائفية التي تحتاج لطرفين للعبها، حتى صار نتنياهو يسمح لنفسه بالمزاحمة على الوقوف في الصف الأول في مواجهة ما يسمى «الإرهاب»، حتى صار قتل طالبة في طريقها إلى المدرسة مثل الشهيدة هديل الهشلمون على حاجز احتلالي في الخليل قبل يومين محاربة «للإرهاب».
روسيا القيصرية بصيغتها (البوتينية) لا تختلف بشيء عن أمريكا أمام مصالحها، وهي مستعدة لارتكاب كل الموبقات، مثلما قامت بحرب إبادة ضد شعب الشيشان الذي حاول نيل استقلاله، عن ما كان يوما الاتحاد السوفييتي مثل شعوب كثيرة أخرى، بالتهمة إياها (الإرهاب)، فأبادت خلال عشر سنوات ما بين 1994 إلى 2000 حوالي 300 ألف شيشاني شكلوا ربع هذا الشعب، وهدمت 95٪ من العاصمة غروزني ومحت معالمها التاريخية! كما دعمت عسكر السفاحين في صربيا، ثم أججت صراعا في أوكرانيا لضمان مصالحها في جزيرة القرم، وهي تفعل الأمر نفسه في سوريا أمام مصالحها.
نظام الإمبراطور بوتين، قبل شهرين فقط (في 8 يوليو 2015) استخدم حق النقض في مجلس الأمن، لمنع قرار يعتبر مذبحة سربرنيتشا التي أبيد فيها ثمانية آلاف إنسان مسلم معظمهم من النساء والأطفال، جريمة إبادة شعب، إضافة لتهجير عشرات الآلاف وما رافق هذا من اغتصاب لآلاف النساء المسلمات، مناقضا بهذا لقرار سابق لمحكمة العدل الدولية عام 2007 اعتبرها جريمة إبادة شعب، وهذا يوضّح ما هي نوعية النظام الروسي، فهو لا يختلف أمام مصالحه عن أمريكا، التي تشهر الفيتو أمام كل إدانة لجرائم إسرائيل، وتحارب وتبيد الملايين أمام مصالحها. روسيا (البوتينية) تشهر الفيتو أيضا أمام كل ما قد يدين حلفاءها، بدءا من السفاحين كاراديتش ومالديتيش في البوسنة، إلى بشار الأسد صديق (كيم جونغ أون) ديكتاتور كوريا الشمالية الذي يُعدم من يتثاءب أمامه بقصفه بمضاد للطائرات.
وسوم: 635