انتهاك المسجد الأقصى، السنوات الخداعات مع علمانية باعت العرض والأرض

حين ترى المرأة المقدسية و هي تدفع بما ملكت يداها عدوان قوات الاحتلال الغاشمة و تصوغ بقريحتها و لسانها أبلغ الأقوال الغاضبة انتصارا لكبرياء دين و أمة مغدورة عليها حكام بلا همة و لا ذمة.. حين ترى ذلك لا تملك إلا أن تقف وقوفا و أن تقف موقفا تختزل فيه عشرات السنين الخداعات من حكم علماني مرعب مروع جثم على صدور المسلمين و حاصله اليوم: أشباه دول و لا دول، أشباه حكام و لا حكام، أشباه رجال ولا رجال، بلا قضايا و لا حياء.. و يتأكد أكثر مستواهم الهابط حين يصطنعون الزمجرة قائلين في تصريح طائش عاثر هنا أو هناك جوابا على سؤال محتمل من صحفي (المسجد الأقصى خط أحمر).. كلام لا طائل تحته و لا معنى يسكنه و لا نتائج تترتب عليه، لأن الحكام الحقيقيين الراشدين إذا قالوا (خط أحمر) فثمة حزم و عزم و ثمة استعداد لحرب بل ثمة إعلان حرب، ثمة استنفار ترتعد له فرائص العدو.. لقد كثرت خطوطهم الحمراء المعلنة و استعملوا اللفظ انشاء و خبط عشواء المرة و المرة حتى صار أنعم من الشعر و الغناء و أهزأ من الهزل و الكوميديا.. و الأمة العظيمة لها خط أحمر واحد لا يتعدد من اقترب منه أو هَمَّ به يرى منها ما ينسيه وساوس الشيطان قبل أن يبدأ أو يحاول.. خط الأمة الأحمر هو خط الدفاع الأول و الأخير و دونه العرض و الشرف و دونه بيضة الإسلام و المسلمين.. أما أن يقول هؤلاء الرويبضات و هم عابروا سبيل و حكمهم مجرد نزوات و هوى لا يعدو أن يكون كأس خمر ينبثق عنه نظام، أن يقولوا (خط أحمر) و لا تحمر أعين و لا تحمر نيران و لا يحمر سلاح و لا تحمر الجبهات فكلام فارغ و ريشة في مهب الرياح و شهادة زور إضافية في ذمة أشباه الحكام.

في الفكر السياسي الراشد و عند الأمم العظيمة ما يسمى (مجالا حيويا) و (عمقا استراتيجيا) و (أمنا قوميا)، فنراها تدافع عن كيانها و كيان دولتها بأبعاد آلاف الأميال و بأبعاد عشرات السنين و لسان حالها و أفعالها يقول: "هنالك لا هنا خطي الأحمر".. لا أن تُغزى الأمة في عقر دارها فتذل و تفضح في عواصمها فتغتصب و يعربد العدو في مساجدها و مقدساتها.

اسمعوا أيها الحكام الرويبضات الفكر السياسي الإسلامي صانع المجد و الكرامة و مثبت العزة و العظمة ماذا يقول اعتمادا على القرآن الكريم باني الأمة و الدولة،"ترهبون به عدو الله و عدوكم و آخرين من دونهم لا تعلمونهم، الله يعلمهم".. أي ترهبون الحاضر من الأمم و الآجل، القريب و البعيد، و المعلوم و المفترض أي ترهبون حتى الغائب و الغيبي فضلا عن العدو المباشر، و يقول الله تعالى لرسوله عليه الصلاة و السلام :"فإما تثقفنهم في الحرب فشرّد بهم مَنْ خَلْفَهم لعلهم يذكرون".. أي شرد الجبهات الخلفية و المخفية التي قد تُحَدِّث نفسها بالحرب مجرد حديث لمجرد سماع خبر قوتك و انعقاد عزمك.. هذه هي إستراتيجية الأمة الإسلامية التي كان لقبها (أمة لا تغلب).. أما هؤلاء الحكام النكد فقد جعلوا الأمة شذر مذر و أصبح مجال دفاعهم يتدحرج من أحمر إلى أقل حمرة إلى أن تنصل كل الألوان و تمّحي، ليصبح دفاعهم فقط عن قصورهم و فجروهم و غرف نومهم.

-- عند المسلمين ما يكفي من عناصر القوة الإستراتيجية أي من الوضعيات و القضايا ذات الرمزية العالية في أطراف الدنيا و أعالي البحار ما يمكن جعلها نقاط تماس و محل اشتباك و إشغالا للعدو بعيدا عن حرمات الأمة و حوزاتها.. و العناوين فوق الحصر و لكن لا يقدرون عليها: 

- الأقليات المسلمة في كل أصقاع الدنيا و ما عليهم من مظالم تطلب نجدة.

- وضعيات تاريخية عالقة يمكن إثارتها و تحريكها.

- استعمار قديم لم تصف وضعياته ينتظر من يفتح ملفاته.

- فضلا عن مناكفات و منازعات السياسة اليومية التي تديرها الدول باقتدار.

نعم هناك من القضايا و الوضعيات و العناوين ما يجعل دفاعنا هجوما ما أبعده عن مساجدنا و شرف نسائنا و سائر حرماتنا و ما يجعل الأمة تخلق الوضعيات و تورط العدو فيها لا أن تستدرج إلى درجة المهانة.. عندنا ما يكفي لنجعل صراعنا و حروبنا الفعلية و السياسية على صعيد أعلى و في أقاصي الدنيا بل في عواصم الدول الاستعمارية و هناك يكون خطنا الأحمر لا هنا.. و لكن حكامنا الرويبضات هم أقل رتبة حتى من الحرس و العسس على أبواب المحلات و المساكن.. هم أهل بطالة و عطالة يخافون من النصر أكثر من خوفهم من الهزيمة، نعم يخافون من النصر حتى و إن لم يكونوا طرفا فيه، لأن النصر سينهض الهمة و له ما بعده و سيفتح الآفاق و له ما بعده من استحقاقات و من جهد بناء و طاقة اجتهاد فيركل المتخاذلين الخاملين أي الحكام و من ذهب مذهبهم.. أما الهزيمة فهي تمكن هؤلاء الظالمين الظلاميين من تبرير تخاذلهم و وهنهم و تأبيد انحطاطهم و تعفيهم و تنحيهم عن معالي الأمور و مدارج العلى اعتمادا على غيبية قدرية ماكرة و واقعية سياسية عفنة. و خير مثال نضربه على خشية هؤلاء الحكام من أي نصر محتمل ما قاله المبدع الرائع سعد الدين الشاذلي قائد الأركان في الجيش المصري في حرب 73، "كان بإمكاننا التقدم و شطر إسرائيل إلى نصفين و لكن السادات منعنا و زجرنا".. فحاكم مصر المنهزم ابتداء خيانة و عمالة كان يريد بحرب 73 فقط تحقيق طلب كسنجر وزير الخارجية الأمريكي بتسخين الجبهة بعد هزيمة 67 القاسية ليصبح السلام ممكنا نفسيا و واقعيا مع 'إسرائيل'.. أي أن الأمر دبر لتأكيد الهزيمة و تأبيدها. 

و هكذا في ذمة هؤلاء الحكام تدحرجت قضيتنا من قضية أمة و ما يقتضي ذلك من تفعيل طاقات و خلق وضعيات و انتهاز فرص إلى قضية دول شراذم أوهمت شعوبها في البداية بأنها على العهد و أنها منهمكة بالتحرير و طلب الوحدة إلى قضية جماعات هنا و هناك متحمسة أو ناقمة تحاول تدارك تخاذل هذه الدول إلى مجرد مبادرات فردية حينية أشبه بردود الأفعال يتولاها أهل بيت المقدس و أكناف بيت المقدس بما ملكوا من حجارة و كراسي و أمتعة و صيحات و فزعات، و أين يقع ذلك؟ في عقر دار الإسلام و مقدساته في جوار المحراب و المنبر في مسرى نبينا و محل معراجه.. تشرذمت القضية و انعدم الخط الأحمر لنجد أنفسنا أمام مشهد عالي الرمزية و الدلالة مفاده أن حكامنا عاطلون بلا قضايا و بلا حياء، هذا المشهد تمثله المرأة المبادرة و المبادئة و المدافعة عن رجال الأمة بل عن الأمة بتمامها صاخبة صامدة.. ثم تتصفح الجرائد تبحث عن الخبر فتجده موجزا باردا بجوار (حضك اليوم) و فيه أن قوات أمن محمود عباس عنفت تعنيفا شديدا المتظاهرين المناصرين للقدس و أهله في بيت لحم و غيرها من المدن..يا للفضيحة و العار!!

إنها السنوات الخداعات التي تحدث عنها النبي صلى الله عليه و سلم تَمْثُلُ أمامنا و تستصرخنا.

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: يأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب و يكذب الصادق و يؤتمن الخائن و يخون الأمين و ينطق الرويبضة، قيل ما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة.

وسوم: 636