قَمْعستان : كتبَة السلطان وكتّاب الكنبة؟!

من الصعب جدا في بلاد قمعستان أن يجد الكاتب الحر متنفسا للتعبير عن رأيه وفكره ، على صفحات جريدة أو مجلة ، أو عبر شاشة تلفزيونية أو موجة إذاعية . قمعستان لا تؤمن إلا بالرأي الواحد الموحد ، لها في ذلك قدوة من الاتحاد السوفياتي الراحل ، والصين الشعبية ، فالأذرع الإعلامية هناك تكاد تكون نسخة متطابقة إلى الحد الذي يمكن فيه القول إن من يعبر هو شخص واحد ، يتمثل في السكرتير العام للحزب ، أو الديكتاتور العام ، أو الأخ الأكبر وفقا لتسمية جورج أورويل !

في قمعستان لا مكان إلا لكتبة السلطان ، وهم في الوقت نفسه أذرعه الإعلامية أو أهمها التي تمارس التعبير بألوانه المختلفة في الصحف والإذاعات والتلفزة والمسلسلات والأفلام والمسرحيات والندوات والمحاضرات وصياغة البيانات .

الغاية الرئيسة لهؤلاء الكتبة تتمثل في وأد الحرية وتسويغ القمع الوحشي ، وقصف الإسلام بمدفعيتهم الثقيلة لأنه العدو الرئيسي للسلطان ، ولا يتطابق مع رؤية العوالم والغوازي والمشخصاتية الذين يرونه دين الرقص الوسطي ، لدرجة أن إذاعة القرآن الكريم المفترض أنها أقرب إلى المدرسة التعليمية التي تقدم الإسلام إلى عامة الناس ؛ شاركت كتبة السلطان في نهجهم القمعي ، وقطعت الاتصال على سائل يسأل عن حكم الدعاء على الظالمين ، ورحبت بالعمائم المنافقة التي تمدح عظمته ، وتجعله نبيا رسولا ، وتضعه في مستوى خالد بن الوليد رضي الله عنه ، وتزعم أن الملائكة يتنزلون على قوائمه الانتخابية التي تعدها المخابرات والكنيسة ، كما سمحت  لبعض مذيعيها بسبّ المسلمين وشتمهم ووصفهم بأبناء الأبالسة وأحفاد الشياطين!

كتبة السلطان يرون المسلمين متطرفين إرهابيين تجب محاربتهم قبل أي نشاط آخر تمارسه السلطة لخدمة الشعب أو الوطن . وينبغي تصفيتهم واعتقالهم والتشهير بهم ليل نهار وحرمانهم من المساواة بغيرهم من المواطنين الذين لا يحبذون الإسلام أو يخاصمونه أو لا شأن لهم به وبرسالته الإنسانية الاجتماعية . إنهم يدعون إلى عنصرية فاشية وكراهية  مقيته ضد أكثر من نصف الشعب المصري بسبب إسلامه أو إيمانه بمنهج الإسلام حياة وآخرة ودينا ودولة وعدلا ومساواة وقانونا وتربية وفقا لقوله تعالى : "قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيك لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا أَوَّل الْمُسْلِمِينَ "( الأنعام : 162 – 163) .

ويتجاوزون ذلك إلى الدعوة لأفضلية بعض الفئات من أتباعهم على بعض ، من ذلك مثلا تفضيل بعض المهن التي يغدق عليها عظمته إغداقا غير عادي لتقنين أوضاعها الاستثنائية باستمرارها في الوظائف إلى سن الخامسة والستين أو السبعين بالمخالفة للدستور السلطاني نفسه ، ورفض مساواتهم ببقية المهن التي تنتقل إلى التقاعد أو التفرغ بعد الستين .

كتبة السلطان يتقنون فنون الكذب الفاجر – أكذب من مسيلمة -  كما يحترفون التضليل والتدليس والتزوير وتحريف الكلم عن مواضعه . ثم إنهم بعدئذ يرتكبون خطيئة الإجهاز على الجرحى ، فهم لا يرقبون إلا ولا ذمة في المغيّبين وراء الأسوار الذين يتعرضون للمهانة والتعذيب والموت البطيء بسبب الإهمال الطبي ، ويسنّون أسنانهم لتجريح من لا يستطيع الرد على الأكاذيب والسباب ، ولا يملك القدرة على مواجهة المدلسين والمضللين .

ومع أن كتبة عظمته وأغلبهم من الشيوعيين والناصريين والليبراليين وأشباههم ، أكثر من يتحدث عن حرية التعبير وحق الاعتقاد ، فإنهم لا يعترفون للمسلمين بمثل هذا الحق أو تلك الحرية . مثلا حين يقوم ولد شيوعي بلطجي يملك ساعات بث في قناة تلفزيونية معادية للإسلام بمهاجمة الشريعة وإهانة البخاري وعلماء الأمة ،  فيتلقى ثناء القساوسة المتعصبين وغيرهم ، ويلجأ المسلمون إلى القضاء لحماية دينهم ، فينتصر القضاء للحق ، ويحكم عليه بالإدانة ، تشتعل ثورة كتبة عظمته دفاعا عن حق البلطجي المجرم في إهانة الإسلام ، وفي الوقت نفسه يتم تحويل ثمانية مسئولين في التلفزيون السلطاني ، لأن أحد الثمانية استشهد بمقولة لشهيد الإسلام - إن شاء الله - سيد قطب في أحد البرامج !

سيد قطب العالم الأديب المسلم الباحث الدارس يتم حظره في التلفزيوني السلطاني ويحاكم المسئولون التلفزيونيون بسبب عبارة له ولا يدافع عنه واحد من أدعياء الحرية ، أما الولد البلطجي الجهول فيتنادى كتبة السلطان من أجل حرية عدوانه على الإسلام ؟! يا لهوان المسلمين في أرض الإسلام !

كتبة عظمته لا يعرفون الحياء ولا الخجل ، ولديهم تفسير وتعليل وتبرير لكل فشل ذريع " ينجزه " السلطان المتجبّر!

مثلا حين يدير الناس ظهورهم لانتخابات مجلس نواب السلطان الهزلية ، يقولون إن الناس يحبون عظمته ويثقون فيه ويعتمدون عليه ، سواء كان هناك مجلس أو لم يكن! ونسي الكتبة كبارا وصغارا أن الشعب في قمعستان حين رأي أصواته التي تعب من أجل توصيلها في استحقاقات ما بعد يناير ، ووقف الساعات العديدة في الطوابير الطويلة ، قد ألقي بها السلطان الجبار في صناديق النفايات ، وتم حل المجلس الذي اختاروه وخطف الرئيس الذي انتخبوه ، وساد القمع بالنبوت وتكميم الأفواه وعادت البلاد  جمهورية خوف ، فالنبوت فوق الرءوس والنفوس !

في كل الأحوال فعظمته الجبار لا ينسى كتبته بل يجزيهم عن رقصهم له ودجلهم وأكاذيبهم وسفالتهم وعدوانهم على الإسلام خير الجزاء السلطاني . إنه يغدق عليهم بطريقة مباشرة وغير مباشرة ، ويمنحهم الملايين والامتيازات في حياتهم وبعد مماتهم . أما كتبة الكنبة فلا يستحقون منه اهتماما يذكر ..

كاتب سلطاني لا يملك من مؤهلات الأدب أو الفكر أو العلم  إلا الفهلوة والوصولية والدعاية . يرقى في مناصبه ، وتمنحه قمعستان أعلى جوائزها ، وتنشر له مؤسساتها كتبه الهشة مفردة ومجمعة ، وتتيح له سفريات كثيرة وتعالجه على الفور حين يمرض في الخارج والداخل ، وتجند الأذرع كافة للإشادة به، والتعاطف معه ، وحين يموت تشيعه في مهرجان يشبه الموالد الشعبية . وتجعل كتبة السلطنة كبارا وصغارا يقيمون المناحة التي تستمر طويلا ، ويحضر العزاء المسئولون العظام والعمائم الكبرى فضلا عن الرفاق والأتباع . مع الإلحاح على تثبيت صورته بوصفه الشخص الوحيد الذي يحب قمعستان ، ويخشى عليها من الانقسام والسقوط ! يا ولداه!

في المقابل يمرض أويموت كتبة الكنبة ، أي الذين لا يبالغون في مديح عظمته ولا يهتمون جيدا بالصلاة في محرابه . فلا يعبأ بهم أحد ، ولو كانت آلامهم تصعّد فى السماء ، أو كانت كتاباتهم أكثر جودة واتزانا ..

ألا ترون أن كتبة السلطان في قمعستان يستحقون أن يحشروا مع عظمته لأنهم طبل خانة ؟

الله مولانا . اللهم فرج كرب المظلومين ـ اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم !

وسوم: 640