(( إن الباطل كان زهوقا ))
بهذا قضى الله عز وجل الذي لا راد لقضائه ولا معقب على حكمه . ومعلوم أن الباطل هو نقيض الحق . وتعريف الحق المطلق، وهو الله عز وجل عند أهل العلم هو الموجود الحقيقي بذاته منه يأخذ كل حق حقيقته . والحق واجب بذاته ، ونقيضه الباطل ممتنع بذاته . وأحق الموجودات بأن يكون حقا هو الله تعالى ، فإنه حق في نفسه أي مطابق للمعلوم أزلا وأبدا . وثنائية الحق والباطل موجودة منذ وجد الإنسان فوق سطح كوكب الأرض ، وبين طرفي هذه الثنائية صراع لا ينتهي إلا بنهاية العالم . والناس في هذا العالم صنفان : صنف يناصر الحق ، وصنف يتحيز للباطل . ويعرف الحق بمميزات منها الوجود والصدق والعدل ، كما يعرف الباطل بمميزات منها العدم والكذب والظلم. وطبيعة الحق الثبات ويكون أبلج أما طبيعة الباطل أن يزهق ويضمحل ويتلاشى .وقد ينطلق الباطل أول الأمر قويا بهالة الدعاية التي تحيط به ، ويبدو الحق أمامه ضعيفا لا يبلغ مبلغ قوة دعايته ولكن سرعان ما يتهافت الباطل ويضمحل ويتبخر فيثبت الحق مكانه وتنجلي عن الأعين الغشاوة التي كانت تحجب ظهوره .وأهل الباطل كثر لا يحصيهم عد ، بينما أهل الحق قلة . ولقد عرف التاريخ البشري قلة أهل الحق مقابل كثرة أهل الباطل . وعلى رأس أهل الحق أنبياء الله وسله صلواته وسلامه عليهم الذين أخذوا الحق عن الحق سبحانه ، وبلغوه للناس . والناس في الغالب يعيشون في باطل ، لهذا أرسل الله عز وجل رسله وأنبياءه بالحق لدحض الباطل، ذلك أن الناس تعاطوا منذ فجر التاريخ الباطل عن طريق عبادة آلهة لا وجود لها وانصرفوا عن عبادة الحق الموجود بذاته أزلا وأبدا . وعن طريق عبادة الآلهة الباطلة تفرعت السلوكات الباطلة في معاملات الناس . ولقد أزهق الله عز وجل كل أشكال الباطل وعلى رأسها عبادة الآلهة من أوثان وأصنام ، وأزهق معها ما ترتب عنها من سلوكات باطلة . ولقد تعرض الأنبياء والرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم لمضايقة أهل الباطل ولتهديدهم بل تعرض بعضهم للتصفية والقتل . وصار أهل الباطل على نفس النهج يضايقون أهل الحق في كل زمان وفي كل مكان ويهددونهم ويستهدفونهم بكل أنواع الإساءة .وغالبا ما ينساق الضالون وأهل الأهواء مع أطروحات الباطل التي تكون مبهرجة ، ويتنكبون سبل الحق . ويجيد أهل الباطل الكذب والتلفيق والتزوير وهو ما يجعلهم يسيطرون بسهولة ويسر على ضعاف العقول المنساقين مع الأهواء . ودأب أهل الحق صدق القول وهو ما يصعب على أهل الأهواء تصديقه أمام زور الباطل المبهرج البراق الخلاب . ويقلب أهل الباطل الحقائق فيجعلون الظالم مظلوما ، والجلاد ضحية ، والخائن أمينا ... ولا يستغرب ذلك من أهل الباطل ما دام الباطل نقيض الحق . ولا يمكن تمرير الباطل إلا عن طريق تقديمه في لبوس الحق كذبا وزورا. ويعلو الباطل علوا كبيرا في الأرض وتنطلي حيله على غالبية الناس . وتوجد أمثلة كثيرة على ذلك في التاريخ البشري سواء ما ورد ذكره في كتاب الله عز وجل وهو الحق من عنده أو ما ورد في غيره . وأول باطل في تاريخ البشرية علا ثم أزهق هو باطل إبليس في الجنة والذي نصب على أول إنسان وهو نبي الله آدم عليه السلام عن طريق الكذب وأغراه بالخلد وملك لا يبلى إلا أن الله عز وجل أحق الحق وأبطل باطل إبليس . ومضت سنة الله عز وجل في خلقه تحق الحق وتبطل الباطل . ولا يوجد باطل في تاريخ البشرية لم يزهق . فكم من باطل دام لزمن طويل لكنه انتهى إلى اضمحلال لأن الله عز وجل قضى في قضائه الذي لا راد له أن يزهق الباطل مهما كان . ويطول الكلام في نماذج الباطل الذي عرفته البشرية ذلك أنه لكل عصر أباطيله الكبرى والصغرى . فمن الأباطيل الكبرى نشوء كيانات باطلة كما هو الشأن بالنسبة للكيان الصهيوني الذي بدأ في شكل عصابات إجرامية وجدت الدعم من قوى ظالمة أضفت عليها من شرعيتها الباطلة فصارت دولة معترف بها بل صارت تتحدى العالم بأسره ولا تبالي بشرائعه وقوانينه . ويراهن هذا الكيان الباطل على تراخي الزمن ليصير أمرا واقعا علما بأنه ما بني على باطل كان باطلا ، وأن مصير الباطل هو الزوال لا محالة ، وهو حكم الله عز وجل وقضاؤه الذي لا يرد . وقد ينخدع المنخدعون بالباطل أمام تراخي زمنه فيظنون أنه ثابت لا زوال له . ولقد مرت نماذج للكيانات الباطلة التي انتهت إلى زوال بعد طول وجود . ونماذج الباطل الكبرى كثيرة في زماننا منها أنظمة باطلة ظالمة مستبدة تفرض وجودها بقوة الحديد والنار وهي إلى زوال كما زالت مثيلاتها في التاريخ الحديث كما هو الشأن بالنسبة للنازية والفاشية والشيوعية ، وليس باطل غيرها بمنجاة من الزوال كما زالت . ونماذج الباطل الصغرى كثيرة في حياة الناس اليومية لا يحصيها العد . والناس في هذه الحياة إما أن يتعاملوا فيما بينهم بالحق وإما أن يتعاملوا بالباطل. ولما كانت طبيعة الإنسان أنه ظلوم جهول فإن الغالب على تصرفاته الباطل . ونظرا لكثرة الباطل فإنه يكثر أنصاره ، ويجيشون ضد الحق . ومن الوسائل التي يعتمدها الباطل لتسويق أطروحاته الباطلة الإعلام الرافع الخافض ، ذلك أن الإعلام يتلقف الباطل فيبهرجه ويقدمه للاستهلاك ، فيتهافت عليه المستهلكون معتبرينه حقا ، ويتعاطونه ، ويتناقلون فيما بينهم ، ويصيرون له مناصرين حتى تحين ساعة اضمحلاله أمام الحق الأبلج فينقلبون خاسئين خائبين . ومن أهل الباطل من يغري الإعلام بالمال فيقتنيه كما تقتنى البضاعة ويصير الإعلام عبدا لهم يخدم باطلهم . ومنهم من يهدد الإعلام فيرضخ له ويستجيب لتسويق أطروحاتهم إلا أن مصير الباطل هو أن يكون زهوقا فيخزى الإعلام الذي روج أو سوق أطروحاته خزيا يفقده المصداقية ،علما بأن الباطل عندما يزهق يزهق معه كل ما ارتبط به من أنصار ووسائل ودعاية وإشهار لأنه كما يقال لا يصح إلا الصحيح . ومع أن مصير الباطل معروف فإن كثيرا من الناس لا يفيقون من غفلتهم ولا يتحرون أمره ولا يميلون إلى إحقاق الحق وإزهاق الباطل . ومعلوم أن إزهاق الباطل يحصل دائما عندما يبلغ أشده ، ويستنفد كل حيله ، وقد يملي له الله تعالى ليزداد عتوا فيزهقه وهو في عنفوان عتوه .
وسوم: 640