طهران ومؤتمر (فيينا 2)

لا شك أن انعقاد مؤتمر فيينا بحضور إيران يُعتبر مؤشراً واضحاً وخطيراً لتعقيد الأزمة السورية، خصوصاً أن دولة ولي الفقيه تصدرت قائمة الأطراف الداعمة لإرهاب النظام السوري. فمخرجات مؤتمر فيينا السلبية، التي كانت لإيران اليد الطولى فيها وضعت من يدعون أنهم أنصار الشعب السوري في زاوية حرجة، لأن مجرد إشراك دولة ولي الفقيه معناه دعم استمرار دموية هذا النظام، وأن من وافق من هذه الدول على مضض لإشراك طهران قد تأكد من كذبها ومتاجرتها بشكل فاضح بدم الشعب السوري.

لا شك أن تأكيد ايران على موقفها القائم على دعم محور الشر الرباعي عشية مؤتمر فيينا، والذي يُمارس على مدار الساعة أبشع الجرائم ضد الإنسانية، شكل استهتاراً كبيراً ليس فقط بالشعب السوري الذي يشاهد وجود أصدقائه وأشقائه يجلسون إلى جانب طهران في هذا المؤتمر، كذلك فإن إصرار الدول الغربية على مشاركة إيران يعكس سياسة غربية مبطنة قائمة على نظرية المؤامرة ضد إرادة الشعب السوري، وعدم دعمه وبشكل كافٍ منذ بداية الأزمة حتى يتمكن من دحر هذا النظام، بل كان الهدف هو قهر السوريين، وإطالة أمد الأزمة حتى تنتهي الدولة والكيان السوري، ووضع الخطط والتجهز لاستقبال اللاجئين السوريين لسنوات قادمة على أمل استمرارها.

تردد طهران على لسان مسؤوليها وبوقاحة منقطعة النظير “أن الأزمة السورية بلغت مرحلة تُجمع فيها دول المنطقة والعالم على ضرورة حلها بالسبل السياسية والحوار؛ نتيجة الفشل الذي لحق بأمريكا وقطر والسعودية وتركيا، وعبور سورية من مرحلة الخطر، اعترف الغرب بخطئه، وها هو اليوم يحاول أن يستعين بإيران في محاربة الإرهاب، ويطلب منها المساعدة لحل هذه الأزمة ووضع خريطة طريق لإنهاء معاناة الشعب السوري.”

ويضيف مسئولو دولة ولي الفقيه: أن مؤتمر فيينا يعتبر بداية لمرحلة من التفاؤل؛ لأنه أكد فشل الخيار العسكري، وأن الخيار السياسي هو الحل. لكن نسيت حكومة ولي الفقيه أنها هي التي دخلت أتون الحرب بشكل مباشر وبالوكالة ضد الشعب السوري الأعزل، وحشدت خلفها هذا الكم من العصابات والتنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها حزب الله والمليشيات الطائفية العراقية بشكل أساسي لمقاتلة يزيدي العصر ” الشعب السوري”، وانساقت وراء مخططات أمريكا والكيان الصهيوني لتقسيم الدولة السورية، وفق مخطط الفوضى الخلاقة.

فإيران كانت وما زالت تراهن مرة على خيار بقاء النظام في سورية، وأخرى اعتبارها الأسد خطاً أحمر لتعزيز فرص التفاوض عليه كورقة رابحة مع الاستعداد للتضحية إذا كان الثمن الذي ستقبضه يستحق ذلك، وكانت تعمل جهد إمكانها لتخريب المؤتمرات التي عقدت لحل الأزمة السورية، لا أنها باتت اليوم أمام الأمر الواقع الجديد بعد دخول روسيا على خط الأزمة، حيث حاولت مواساة نفسها أنها ما زالت هي الطرف الأقوى في معادلة الحل، وأن مشاركتها أضحت ضرورة ملحة في حل هذه الأزمة، لأن بيديها مفاتيح اللعبة والحل وليس بيد موسكو. ومما دفع بدولة ولي الفقيه إلى هذا المنحى التصعيدي في الرفع من شأنها هو دخول روسيا على الخط في سورية، ومنح روسيا رئيس النظام السوري المساعدات الاستشارية العسكرية والاستخبارية، وتسليم الأسد الدولة بكاملها لتكون تحت إمرة بوتين، مما غير المعادلات والموازين بصورة كبيرة، لصالح روسيا على حساب إيران.

برهن مؤتمر (فيينا ۲) أن طهران هي الخاسر الأكبر من اجتماع فيينا، فرغم ما قامت به طهران من توظيف مليارات الدولارات لدعم رئيس النظام السوري، إلا أنها لاتزال تراوغ دون جدوى لكسب الوقت لتنفيذ مؤامرتها للحفاظ على هذا النظام، والتغطية على إخفاقاتها المتوالية في المنطقة. ومع أن مسئوليها يحاولون من خلال سلسلة من الأكاذيب والتحرشات التي يطلقونها تباعاً أن استراتيجياتها هي للتأكيد على وحدة سورية واستقرارها، في محاولة بائسة للتغطية على فشل سياسة إيران الدموية التي استباحت أرض سورية ودماء شعبها، فمشاركة حكومة ولي الفقيه في المؤتمر تعتبر نصرًا كبيراً للإرهاب، وتراجعاً للشعارات التي تطرحها الدول العظمى لحل الأزمة السورية، رغم أن أكثر من ۱3 دولة مشاركة في المؤتمر تدرك تبعات وخطورة التدخل الإيراني والروسي في سورية، وترى ضرورة رحيل الأسد، لكنها تدرك تماماً أن طهران في واقع الأمر هي جزء كبير من المشكلة وليس الحل، خصوصاً، أن التحولات تشير إلى أن المستقبل سيكون لصالح الشعب السوري وخياراته في الخلاص من هذا النظام الذي تفنن في ممارسة كل أشكال الإجرام والإرهاب.

أكد البيان الختامي لمؤتمر فيينا 2على مجموعة نقاط يمكن تصنيفها في خانة الإخفاقات الكبرى، التي كان لطهران وموسكو دور كبير في التأكيد عليها. أما القضية الأهم في هذا المجال فهو حذف البند الخاص برحيل رئيس النظام السوري من البيان الختامي الذي يعد ضربة قاصمة، وخاصة للجانب الخليجي، الذي ظل حتى قبيل انعقاد المؤتمر بيوم واحد يُصر على طرح الموضوع، ويعتبره اختبارا لطهران وموسكو للوصول إلى موعد محدد، لكن ذلك لم يتحقق، فلماذا رضخت هذه الدول للضغوط، ولماذا وافقت على هذا البيان العقيم.

كذلك فإن اجتماع هذا العدد من الدول ومعها إيران ومن خلفها كل العصابات الإرهابية في هذا المؤتمر، يُشكل مرحلة من مراحل تعقيد الأزمة السورية، و من شأنه أن يزيد من معاناة الشعب السوري، نتيجة الاستمرار في ارتكاب المجازر ضده، كما أن تأكيد طهران على تطبيق وقف اطلاق النار، وأي وقف هذا، والبراميل المتفجرة أحدث عبقريات الابتكارات العسكرية للحرس الثوري الإيراني تتساقط كالحمم الملتهبة على رؤوس الأطفال والنساء السوريين كل لحظة. ومن النقاط البارزة في المؤتمر كذلك تأكيدها على إجراء الانتخابات، وفتح باب المفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة التي أصطلح عليها بالوطنية المعتدلة دون قيد أو شرط، يفتح الكثير من التساؤلات والاستنتاجات حول ما ينتظر الشعب السوري والمعارضة في قادم الأيام، خاصة أن القرار الأخير بشأن المستقبل السياسي لسورية أصبح بيد روسيا أولاً ودولة ولي الفقيه ثانياً.

د.نبيل العتوم                                           

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية                  

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

وسوم: 641