التعليم المصري يضع صفرا لتوفيق الحكيم!
في كتابه " توفيق الحكيم الملف الشخصي" الصادر عن هيئة الكتب يروى إبراهيم عبد العزيز أن الكاتب الكبير توفيق الحكيم كان يغضب عندما يرى معلمة تخرج من البيت وأخرى تدخل لاعطاء حفيدته مريم دروسا خصوصية، ورغم ذلك فإن حفيدته لم تكن قادرة حتى على كتابة موضوع إنشاء بالمستوى اللائق. وذات يوم جاءته حفيدته تقول له: "ياجدو .. طالبين مني في المدرسة موضوع إنشاء عن أضرار المخدرات .. كيف أبدأه؟". فأخذ الحكيم يقترح عليها ما لديه لكنها طمعت في أن يكتب "جدو" بجلالة قدره الموضوع واثقة أنها بذلك ستحصل على أعلى الدرجات. وكتب الحكيم الانشاء. وفي اليوم التالي عادت من المدرسة وهي تدفع لأمها بكراستها قائلة:" شفت أبوك اللي أنت فخورة بيه؟ أخذ صفر على موضوع الإنشاء اللي كتبه لي! يعني لو كنت أنا اللي كتبته كنت على الأقل أخذت نصف الدرجة"! لكن النظام التعليمي الذي بخس عبقرية توفيق الحكيم حقها هو النظام نفسه الذي وضع صفرا لمريم ملاك وسرق جهدها العلمي بعد نحو نصف قرن. نظام إذا لم تسعفه سرقة الدرجات العلمية اتجه على الفور إلي ما هو أفيد : سرقة الأموال. في نهاية العام الماضي رصد الجهاز المركزي للمحاسبات إنفاق مائتي واثنين وعشرين ألف جنيه – خلال نصف سنة - على بدل وجبات غذائية لسكرتارية وزير التربية والتعليم، بواقع أكثر من ألف جنيه يوميا! المدهش أن اخلاص السكرتارية للعمل كان شديدا لدرجة أن موظفيها كانوا يحصلون على بدل الوجبات حتى عن أيام الإجازات والأعياد الرسمية! ومازال النهب المستمر دائرا في الوقت الذي تعاني فيه ميزانية التعليم من الهزال، ولا تصل نسبة الإنفاق على التعليم عندنا إلي 7% من إجمالي إلانفاق العام للدولة، بينما تبلغ مثل هذه النسبة في إسرائيل مثلا إلي أكثر من الضعف! حوالي 14% . ونتيجة لسرقة الأصفار من المتفوقين وحشر كروش سكرتارية الوزير بأموال وزارة التربية، أصبحت مصر تشغل - حسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي في 23 أكتوبر الحالي- المركز قبل الأخير في جودة التعليم من بين 140 دولة! وهذا طبيعي في ظل ضعف ميزانية تعليم الشعب مع انحياز النظام لأجهزته بحيث يصدر قرار باستثناء أبناء رجال القضاء والشرطة والجيش من قواعد التوزيع الجغرافي عند الالتحاق بالجامعات، والنتيجة أن عدد المدارس لدينا لا يكفي بحيث أمست قاعات الدرس تزدحم في المتوسط بأكثر من أربعين تلميذا، يقوم على تعليمهم مدرسون يعانون من هزال الرواتب. وتبرز التحديات الخاصة بالتعليم متمثلة في ضرورة تحديث إعداد المعلم، وتحديث المناهج القائمة على الحفظ والتلقين، ووقف كل أشكال التعامل مع التلاميذ بقسوة وجهل بلغ حد إحراق الكتب علنا كما فعلت د. بثينة كشك مديرة التربية بالجيزة في أبريل الحالي! النظام التعليمي عندنا ينهب ذكاء التلاميذ ويوجه الأموال المخصصة للتعليم إلي جيوب موظفيه، ولكن– إحقاقا للحق – فإن هذا النظام يقدس الوطن، ومن دلائل ذلك التقديس المنشور الذي أصدرته مديرية التعليم بالدقهلية وحذرت فيه التلاميذ من السجن عاما كاملا وغرامة ثلاثين ألف جنيه إذا ارتجف للتلميذ رمش عند تحية العلم!
وسوم: 641