وزير التربية الوطنية يكرر على مسامع نواب الأمة مقولات أطر التربية
وزير التربية الوطنية يكرر على مسامع نواب الأمة مقولات أطر التربية الذين لم يجدوا آذانا صاغية وهم يقرعون أجراس الخطر المهدد للمنظومة التربوية
عندما تتحدث أطر قطاع التربية على اختلاف تخصصاتها عن اختلالات هذا القطاع بدءا بخراب البنيات التحتية، ومرورا بفشل المناهج والبرامج والمقاربات والوسائل وأساليب التقويم، وتناقص عدد الأطر ومحدودية المناصب المالية ، والزيادة المطردة في أعداد المتعلمين ، واكتظاظ الفصول الدراسية بهم ، وانتهاء بفشل هؤلاء المتعلمين وتسربهم أو الهدر المدرسي وخسارة البلاد في رأسمالها البشري لا أحد يبالي بهذا الحديث بما في ذلك الوزير الوصي على القطاع . والغريب أن هذا الكلام يتبناه الوزير ويسرده على مسامع نواب الأمة بتفاصيل وإحصائيات وأرقام حيث ذكر أن عدد المتعلمين بلغ 6 ملايين و800 ألف تلميذ ، وأن 15 ألف قسم في ربوع الوطن تعرف اكتظاظا بمعدل ما بين 41 و45 تلميذ في الفصل الدراسي ، وأن نسبة الاكتظاظ في السلك الإعدادي بلغت 26% ، وبلغت في السلك التأهيلي 9،22% ، كما بلغت في السلك الابتدائي 8،8% ، وأن عدد المؤسسات التي تخرب سنويا هو 3600 مؤسسة بسبب غياب الحراسة ، وأن نسبة الهدر المدرسي في السلك التأهيلي هي 9،13% ، وفي السلك الإعدادي هي 2،12% ، وفي السلك الابتدائي هي 9،2% ، وأن وتيرة الإحالة على التقاعد تزايدت ، وأن المتقاعدين تمدد فترات اشتغالهم ما بعد تقاعدهم بموجب مرسوم قانون مقابل محدودية المناصب المالية . ويطالب الوزير بالصبيب من أجل إخراج المنظومة التربوية من أزمة خانقة لوجستية وبشرية ، كما يطالب بمراجعة المناهج والبرامج والمقاربات التي ثبت فشلها والمتسببة في الهدر المدرسي الكارثي باعتبار النسب المئوية التي صرح بها . ولا شك أن وضع المنظومة التربوية أعقد مما صرح به الوزير . ولو اكتفينا بما صرح به، وهو تصريح رسمي لحكمنا على أن منظومتنا التربوية في خطر حقيقي ، ومن ثم فإن الخطر يتهدد رأسمال الوطن البشري في الوقت الذي يتم الرهان على التنمية البشرية . ومن الواضح أن سياسة التقشف التي تنهجها الحكومة في تدبير قطاع التربية سواء تعلق الأمر بالإنفاق على البنيات التحتية أو على الموارد البشرية أو على غير ذلك من مناهج وبرامج ووسائل وبيداغوجيات ومقاربات ... هي المسؤولة عن تدهور قطاع التربية . فحين يدعو التقشف الحكومة إلى التوقف عن تشغيل حراس أو أعوان لحراسة المؤسسات وصيانتها فإن ذلك يتسبب في خرابها فتكون الخسارة أفدح بمنطق الربح والخسارة ذلك أن ما ينفق على ترميمها يفوق أضعافا مضاعفة ما ينفق على تشغيل من يحرسها . وحين يدعوها التقشف إلى الحد من المناصب المالية وابتزاز المتقاعدين، وذلك بتشغيلهم بعد تقاعدهم موسما دراسيا كاملا بأجر تقاعدهم وهي سرقة موصوفة تمت شرعنتها بمرسوم قانون فإنها تقر رداءة التعليم وتكرسها . وحين تتقشف في بناء المؤسسات وتوسيعها وإصلاحها ويدعوها ذلك إلى تقليص البنيات ،فإنها تتعمد تكريس الاكتظاظ المؤثر على جودة التحصيل، وتمهد للهدر المدرسي عن سبق إصرار . وحين تتقشف في الانفاق على تغيير المناهج والمقررات والكتب المدرسية والمقاربات فإنها تتعمد تكريس الفشل . وحين تتبنى نظام تقويم فاشل قوامه الانتقال بمعدلات دون عتبة النجاح فإنها تسرح المتعلمين سراحا غير جميل ، وتجعلهم عرضة للضياع ،وتستنزف الرأسمال البشري للوطن ، وتخربه بتعطيل قاطرة التنمية . وإذا كان الحديث عن إفلاس المنظومة التربوية يصدر عن وزير التربية فمن سيعلق الجرس كما يقال ؟ وما جدوى وجود وزير للتربية إذا كانت الحكومة تبث في شأن التربية بمنطق التقشف الذي يعتبر أسلوب التفاف على مشاكل مختلف القطاعات ومنها قطاع التربية ، لبلوغ أجل انتهاء مدة حكمها لتسلم المشاكل لمن سيليها كما تسلمتها ممن كان قبلها ؟ يبدو أن معضلة قطاع التربية تقتضي حوارا وطنيا شاملا بل استفتاء كما يستفتى على الدساتير عوض الاستشارات الشكلية على غرار ما قامت به الوزارة وقد قاطعتها شرائح كثيرة من الأطر التربوية التي بإمكانها وصف مكامن داء المنظومة التربوية بدقة متناهية . ويمكن القول بأن الحلول المعمول بها لإصلاح المنظومة التربوية والمجمع على إفلاسها والذي لا يمكن أن ينكره إلا جاحد أو مكابر إنما هي حلول ترقيعية لا يمكن أن ترتق فتقا، لهذا لقد آن الأوان لتغيير ذهنية أصحاب سياسة التقشف في الصرف على قطاع حيوي يعد القلب النابض للوطن . إن الاحتفاظ على سبيل المثال لا الحصر بالأطر التربوية المتقاعدة والمتهالكة صحيا مقابل التقشف في المناصب المالية لتوظيف الطاقات الشابة يعتبر خيانة للوطن . وإن انسداد الآفاق بسبب سياسة التقشف مجازفة بمستقبل هذا الوطن . فهل سينصت من صموا آذانهم حين قرعت أطر التربية أجراس الخطر المهدد للمنظومة التربوية لوزير التربية الوطنية أم أن تحذيره سيبقى صيحة في واد ؟
وسوم: 641