على أرصفةِ الحياة.....
الغُربة ذلك الوجهُ البغيضُ الذى ما يفتأ يطلُ علينا من كل الدروب حين نشرعُ بالتجوال على أرصفةِ الحياة فنجدهُ قابعاً فى دواخلنا مُستبداً بها دون أن يدفع ثمناً لإقامته الجبرية فيها.
فى لحظة الفُراق يُخيل إلينا أننا سنرحل بأجسادنا فقط ونترك بقية أشلائنا ورائنا فليس من السهل أن نجعل أجمل... فصول حياتنا ملغياً ونطوى صفحةً كتبناها بأرواحنا وأحلامنا، ولا تُخيبُ الأيامُ ظننا ولا تُجدى جهودنا فى توخى الحذر فنعيشُ أسوأ إحساس بالغربة وتسير الحياة بنفس وتيرتها وتستمر قلوبنا بالنبض المتألم و تتوالى الساعات فى دهاليز الأيام لنكتشف نكهات مُتعددة للغربة فليست كُلها سيان.
كثيرون منا ينعمون بأحضان الوطن الذى نحسبهُ دفئاً وأمناً لا تدخله غربةً ولا وحشة، ولكن ورغم ذلك تنسج تلك العنكبوت التى تُدعى الغربة خيوطها بداخلنا فتأتى على إخضرار مشاعرنا وتحصد امننا فى بواكير تفتحه فهى ليست مُرتبطة أبداً بالتسفار والهجرة والرحيل عن أرض الوطن بل هى جرثومة إحساسُ مُستبد تًصيبنا وتقتات على هناءتنا وراحة نفوسنا فكم من غريب وسط أهله وكم من مُتغرب داخل بيته وعلى لحاف وطنه فالغٌربة الحقيقية هى تلك الأوقات التى نمضيها مع من لا يستحق و السنوات التى نعيشها فى كنفٍ شائك لا تُعدُ من أعمارنا ولا تُحسب من رصيد مشاعرنا حين نتجرع على أيديهم كؤوس الخيبة والألم ونمضى بعدها سنوات لنمحي من سطور تاريخنا كل لحظةٍ ذرفناها فى منفاهم.
غُربةُ النفس من أصعب أنواع الغُربة وأنكاها جراحاً وألماً، فحين يتغربُ الإنسانُ عن ذاته ويصبحُ مُسلخاً(عنها)، حين يبحثُ عن فرح مخبوء داخل جدران نفسه ولا يجده، حين يفقد قدرته على إستشعار طعم السعادة وحين يتوقد جمر الحنين الى مشاعر من الرضا كانت تسكنه يوما ما فحينها يكون قد دخل فى سُباتٍ من الغربة الداخلية ولا أدرى هل هذا الشعور بالغربة عن النفس هو ما يُسمى بالكآبة على مُختلف درجاتها وعُمقها فنلتمسُ الأستطباب حتى نخرجُ منها أم إنها مجرد تمرد داخلى يقوم به العقل إبرازاً لرفضه لتصرفات تتناقض مع قناعاته أو ما يؤمن به، وأى كان سببها فهى شعور يظللُ سمائنا بغيمة داكنة تُنذر بمطر السواد وتفسد كل رؤانا الى العالم الخارجي فتفوح منا روائح التعاسة وعدم الرضا حتى تنعكس على جميع تصرفاتنا وأكادّ أجزم (ولا أدعى التأكد) بأن كل من سقطوا فريسة للإدمان كانوا يعانون من غُربة داخلية فهى تدفع بالإنسان الى تصرفات غير مُحكمة التعقل وربما تورط البعض فى محاولات إنتحار حتى يخرج من ذلك الجب العميق من الحزن.
وسوم: العدد 644