عوالم الذكري ....
الذكريات سفر نستشف منه معني الحياة ، كائن من كان علي هذه البسيطة يحمله بين دفتيه يرنو الي صحائف سفره مطلعاً وقارئ حصيف لما مضي من ايام خلت فيزداد حباً وحنينا له بين عوالم الذكري و النسيان ترتسم احداثيات التقارب لكل انسان يعرف معني الحياة ، و يعترف بأن تلك الاحداثيات منها ما خطه الشجن في مكان الوجدان فكان حزناً نبيلا ، و منها ما بصمت عليه الافراح فكان سعداً هائم في عالم جميلا. في ماضي الذكريات ، علي مدارج ظعينا .. كنا صغارا يافعين في قومنا ، كبارا بقيمنا من هامات ترنو للعلا تسير بثقة و تطلع نحو مستقبل زاهر ، لا نسأم اللهو
ذكريات جيلنا:
اليوم الجميل .. نحلق بأجنحة ترفرف في الفضاء ، اجنحة تتوسل بالوئام و المحبة ، نطير بها نحلق نسير عليها كأنها أقدام مجنحة .سوف اتحدث من منطلق عاصرت فيه كل الحكومات التي تعاقبت على السودان ما عدا الحكومة الوطنية الاولى بقيادة الزعيم الكبير اسماعيل الازهري عليه رحمة الله ذلك الرجل الرمز وكذلك لم اعاصر المرحلة الاولى من حكم عبود إذ انني كنت في تلك المرحلة من صغار السن الذين لا يعرفون عن السياسة شيء ولكن عاصرت ثورة اكتوبر وشاركت في المظاهرات وانا طالب في نهاية المرحلة الأولية بمدرسة المسالمة الاولية بأم درمان وسبب ذهابي الى مدرسة المسالمة كان سببه هو الظلم الواقع على الاقاليم بصفة عامة والجزيرة بصفة خاصة لكي يعرف من يتحدثون عن الاحزاب ويدافعون عنها أن الظلم على الجزيرة لم يكن وليد اليوم أو في هذا العهد واحكي ذلك بالأرقام والحقائق فعندما امتحنت للمرة الاولى من مدرسة طيبة النعيم الاولية إذ لم تكن هنالك مدرسة بمسقط رأسي قرية الريحانة حتى العام 1967 وامتحنت لمدرسة ابوعشر الوسطى وحصلت وقتها على مجموع كان يفوق المجموع الذي حصل عليه اول مدارس ام درمان مجتمعة ولكن هذا المجموع لم يمكنني من الدخول لمدرسة ابوعشر الاميرية إذ كان ترتيبي 51 والمدرسة تستوعب 40 طالب مما دفع شقيقي الاكبر عليه رحمة الله الاصرار على عدم الامتحان مرة اخرى من الجزيرة وفعلا امتحنت من ام درمان وحصلت على جموع جعلني متفوقا على مستوى ام درمان والتحقت بمدرسة ام درمان الاميرية ولم امكث فيها سوى اسبوع واحد وانتقلت لمدرسة الكاملين الاميرية وبهذه المناسبة ما دفعني لذكر ذلك ليعلم الابناء ما عانه جيلنا إذ ان محلية الكاملين الحالية والتي كانت تعرف بمجلس ريفي المعيلق الذي كان يمتد من نهاية الخرطوم وبالتحديد منطقة السجون بسوبا وجنوبا حتى يحد ريفي الحصاحيصا وشرقا يحده النيل الازرق وغربا يمتد حتى منطقة ابوقوتة والربع و كل هذه المنطقة حتي عهد نميري كان بها ثلاثة مدارس للمرحلة المتوسطة هي ابوعشر الوسطى والكاملين الوسطى وكاب الجداد الوسطى حتى المعيلق التي كانت بها رئاسة المجلس لم تكن توجد بها مدرسة متوسطة في ذلك الوقت ولا توجد أي مدرسة ثانوية في هذه المنطقة قاطبة حتى عهد النميري إذ تم افتتاح مدرستين ثانويتين في هذه المنطقة عام 1969 هما المعيلق والكاملين الثانوية بل أن كل ما يسمى بولاية الجزيرة الآن حتى زمننا لم يكن فيها ألا مدرستين ثانوية للبنين هي حنتوب ومدني ومدرسة واحدة للبنات هي مدني الثانوية بنات بل أن ما كان يسمى بالإقليم الاوسط والذي تمثله ولاية النيل الازرق وقتها والذي يضم الولايات الحالية الجزيرة وسنار والنيل الازرق والنيل الابيض لم يكن بها مدارس ثانوية عدا التي ذكرتها ومدرسة سنار الثانوية وتعتبر حديثة إذ تم انشأها في الستينيات ومدرسة كوستي بالنيل الابيض أما ولاية النيل الازرق الحالية فلم تكن بها مدرسة ثانوية وقد كان لنا زملاء بمدرسة سنار الثانوية من الرصيرص وقيسان وغيرها من مناطق النيل الازرق هذا فيما يخص التعليم أما في المجال الصحي فحدث ولا حرج وحتى وقت ليس بالبعيد من الخرطوم حتى الحصاحيصا جنوبا وشرقا حتى البطانة عابرا من الكاملين وغربا حتى حدود النيل الابيض كانت هنالك مستشفى واحدة هي مستشفى ابوعشر العتيق الذي انشأه الانجليز أما داخل الجزيرة فكانت هنالك نقاط غيار بممرض في بعض القرى وشفخانات في القرى الكبيرة والتي صارت بعضها الان مدن وهذه فيها مساعد طبي هذا الوضع على الرغم من أن الجزيرة كان يعود لها نسبة 2% من عائدات القطن لتصرف على الخدمات الاجتماعية وكانت هنالك ادارة من ضمن ادارات المشروع بهذا الاسم يتولى العمل فيها ما يسموا بضباط الخدمات الاجتماعية ولكن كان جل اهتمامها بالفرق الرياضية وشوية الاهتمام الصحي وفي مجال المياه والذي كان حتى الستينيات معظم القرى في الجزيرة تعتمد فيه على مياه الترع والآبار السطحية ثم بعد ذلك بدأ انتشار الآبار الارتوازية التي كانت تضخ فيها المياه بواسطة المراوح الهوائية وحتى لا نطيل الحديث هذا جزء مما كان حاصل ايام الحكومات المتعاقبة فكما قلت الظلم ليست وليد اليوم والليلة بل هو ظلم قديم شاركت فيه جميع الانظمة التي تعاقبت وكان وقتها يعرف الجنيه السوداني بقوته الشرائية وما أذكره جيدا حتى عام 1978 كان سعر الدولار 36 قرش أي ان الجنيه كان يعادل حوالي ثلاثة دولارات وكان اقتصاد السودان من أقوى الاقتصاديات العربية في المنطقة ولكن للأسف يا صيف ضيعتي اللبن. وإن كان في العمر بقية سوف نواصل ليعلم شبابنا الحقائق التاريخية.
سلم مداد قلمك لما سطرت اخي وصديقي الشامي فانت انسان يستحق منا كل الاعجاب والتسطير لما تكتب ... فهي ذكريات تسحق التوثيق ...
وسوم: العدد 644