يا كل من تعطر بالغاز ، هلموا

ميدان التحرير .

ميدان رابعة .

ميدان النهضة .

ميدان الحرية في كل مدينة .

كل ميادين الأحرار .

كل ميدان جمع أعدادا من الثوار الأحرار الذين لم يجمعهم من قبل مكان ، ولا عنوان ، ولا سابق معرفة .

لا أحد يعرف اسم الآخر  ولم يهتم بأن يعرفه

كل ما يذكره عنه وجه متقد بحماسة الحرية ، وعيون ملتهبة برغبة في الخلاص من عيش الاستبداد والمذلة وعار سنوات العسكر ، ويد تثبت يد أخري وتشد عليها

صوت امرأة صارخة الله أكبر

وفتاة تجري بالكولا والخل لتنقذ طفل علي يد أمه اختنق بالغاز

وأخري تجمع الحجارة وتناولها للثوار ليواجهوا بها رصاصات الغدر الحاقد

وشاب يلتقط صورة أم تحتضن ابنتها لتحميها من  قنبلة غاز سقطت عليها توا

 فيدفع عمره لقاء صورة

تتناثر  قطرات من دمائه علي حجابها ، تصرخ الصغيرة وتجري الأم تجاهه تلتقطه قبل سقوط جسده ، وتسبق الشباب إليه فتحمله ، ويحملوه

قلبها قلب أمه

وهم إخوانه المجهولين

هو إنسان ، لا يعرفون عنه سوي أنه إنسان حر ، وجه آخر من وجوه الحماسة والحرية

يحملون جثمانه بجوار الشهداء ويعودون ليكملوا رمي الحجارة ، وحمل جثمان شهيد جديد

هل تذكرون ؟

يا كل أصحاب الميادين الحرة هل تذكرون ؟

هل لامست أيديكم روح شهيد ؟

هل شممتم رائحة دمائه ؟

أتذكرون لحظات ارتقائه ؟

أما زالت أسماعكم تتذكر صوت الرصاص ؟ أتذكرون رائحة الغاز ؟ أتذكرون زجاجة ماء تقاسمها  أحدكم مع من بجواره ،  ثم تبتعد لتسقي الكثيرين لا تعرف عددهم ؟

أرأيتم بجواركم طفلا يبحث عن أمه ، وفتاة تبكي أباها ، وأم منفطرة علي كل ابن لها في الميدان تعرفه وجها ، مجرد وجه يذكرها بابنها الذي لم تراه منذ ليلة أمس ؟

هل وقع بجواركم جريح فهببت لنجدته وأنت متلهف عليه ؟ تشعر بألمه ؟ تنهمر دموعك عليه وأيضا أنت لا تعرفه ؟

هل رأيت الرصاص وهو لا يفرق بين رجل وامرأة ؟ صغير وكبير ؟ غني وفقير ؟ والكل يسرع للكل ، والكل ينسي ذاته ؟ والكل لا يبغي سوي الحرية ؟

أرأيت شهيدا مكتوبا فوق جبينه " مجهول " ؟ فوقفت باكيا عليه وهو المجهول إليك ، لكنك تعرف أنه عند الله معلوم ، وهو عند أحبابه ليس رقما أو حروف ، إنه إنسان ، أب أو ابن ، أو زوج ، أو أخ ، إنه عند الله شهيد ، وعند أهله فقيد ، وعندك إنسان مجهول ، وعند الآخر رقم ، مجرد رقم ، فهل قابلت في مسجد الإيمان ، أو مسجد الشهداء بالتحرير " مجهول " ؟

هل التقيت بأم ، أو أب أتي يبحث بين الشهداء عن ابنه ؟

اتصلوا علي هاتفه ، لم يجب وقد تعود أن يجيبهم من أول رنة هاتف في كل مرة ، بل كان يخيل إليهم أنه يفتح الهاتف قبل أن يسمعوا رنته ، هذه المرة لم يجدوا جوابا وقد أطالوا الاتصال ، مرة ، اثنتان ، ثلاث ، ثم يأتيهم الجواب ، صاحب هذا الهاتف قد مات

مات

يا لهفة قلب أم

يا وجع قلب أب

يا لثبات إيمان أخت

بعدك سنكمل الطريق

بعدك لن تتوقف رحلة البحث عما كنت تبحث عنه

الحرية

فهل تذكرون ؟ أيها الثوار هل تذكرون ؟

تلك اليتيمة ؟ هل رأي أحد منكم أباها ؟

لقد ظل ينافح عن الحرائر حتى لا تمسهن يد غدر البلطجية ، ظل يناور بجسده ليعبر بهن شوارع دنسها العسكر والعملاء وأشباه البشر 

وحين اطمأن لوجودهن جميعا داخل سيارة عابرة لم يجد ما يغلق به الباب عليهن سوي جسده ، فنال كل واحدة منهن شيئا من دمائه الزكية

وحملوه إلي أمه كي تفرح ، وتستودعه عند ربها رجلا ، شهيدا

أيها الثائرون الأحرار أتذكرون ؟

شهدت لكم الشوارع والميادين ، وصرختم وأسمعتم العالم كلمتكم ، كانت كلمة واحدة : " حرية "

فرضتم علي الجميع إرادتكم

إرادتكم أنتم

وانحني العالم إعجابا بكم

وصرتم للتحضر عنوانا

فأين نحن اليوم ؟ هل سنستسلم للصوص أيها الأحرار ؟ كيف ؟ وأين حق الدماء ؟

أيديكم التي حملت شهيدا ، ومصابا ، وأعينكم التي بكت أما ثكلي ، وقلوبكم التي انفطرت علي صديق وحبيب وأخ و" مجهول " ، هل تسلم وتستسلم للصوص ؟

ألم نذق طعم الموت أيها الثوار ، ألم نرغمهم أن يكفوا بعدما استعذبنا طعم الموت ؟ ألم نرغمهم علي الركوع حين هان علينا الموت ؟ ألم نجبرهم علي الاستسلام حين لم نخشي الموت ؟ فهل بعد كسر حاجز الخوف من كل شئ حتى الموت نستسلم للصوص ؟

كيف بالله عليكم وقد فعلناها من قبل وذقناها ؟ كيف وقد عرفنا معني الحرية بعدما كانت أمنية ، مجرد أمنية ؟

كيف تهون علينا دماء الأحبة ؟

كيف وقد حملناهم بين أيدينا وفي قلوبنا ؟

أمن أجل الحياة ؟ وأي حياة تلك التي نخون فيها من مات ، بل بئست الحياة من غير حرية .

أيها الثوار عودوا فالميادين ما زالت تئن تحت بيادات العسكر

أيها الثوار عودوا فدماء الشهداء ما زالت تبكي للقصاص

أيها الثوار عودوا فالمعتقلات تئن بمن فيها

أيها الثوار عودوا فطعم الحرية أبقي وأروع ورايتها أكثر ارتفاعا وعلوا وشموخا

أيها الثوار لا تخافوا الموت وقد عرفتموه ، ووجدتم عدوكم أهون من ذبابة ، وأجبن من الصمود في وجه صرختم إن اتحدتم ووحدتم وجهتكم

أيها الثوار هل تذكرون حين كنتم أحرارا كيف كنتم ، وحين كنتم رجالا كيف كنتم ، وحين هانت عليكم الحياة ،كيف فرضتم كلمتكم عليها ؟ هل تذكرون ؟

هل تضيع الدماء ونقول كان هنا يوما شهداء ؟

هل تضيع الحرية ونقول كان هنا يوما ثورة ؟

هل تضيع المروءة ونقول كان هنا يوما رجال ؟

فهل تذكرون أيها الثوار ؟

إن كنتم تذكرون فعودوا ، فما زالت الميادين كلها تنتظر .

وسوم: العدد 644