قُنبلة قطرية في مونترو .. العالم بحاجة الى السعودية
"عندما نتحدث عن طريقة العيش فاسبح مع التيار، وعندما نتحدث عن المبادئ قف كالصخرة".
القائل هو توماس جفرسون ثالث رئيس للولايات المتحدة والذي كتب إعلان الاستقلال، ولئن لم يحالفه التوفيق في شطر عبارته الأولى في السباحة مع التيار، لكننا نوافقه تماما على الصمود والثبات على المبادئ.
*ما أكثر من يسبحون مع التيار، وما أقل من يكون إزاء المبادئ كالصخر، ومن هذا القليل كانت دولة الشرفاء قطر، التي تعالت على المصالح الضيقة، وصارت تتحرك وفق منظومة عامة، ترمي إلى إقرار الحق والعدل على الصعيد المحلي، وعلى مستوى الأمة الخليجية والإسلامية والعربية.
*أحد فصول رواية الشرف القطري دارت أحداثه في مدينة "مونترو" الواقعة على ضفاف بحيرة ليمان السويسرية، وبالتحديد في فندق "مونترو بالاس"، حيث انعقد منتدى الحوكمة العالمية الذي يُنظّمه مؤتمر السياسة الدولية في أواخر نوفمبر الماضي.
المشهد الذي طالعتُه ودفعني لكتابة هذه المقالة، ظهر فيه ابن قطر ووزير خارجيتها "خالد العطية" على المنصة وهو يلقي كلمته، ليسأله رئيس المؤتمر "تييري دو منبريال" أمام ما يزيد عن٤٠٠ شخصية سياسية واقتصادية وفكرية وأكاديمية:
"لا يُمكنك أن تضع على قدم المساواة بين إيران والسعودية، إيران أمة مُوغلة في القِدم وبإمكانات سكانية مهمة، السعودية حديثة المنشأ، وفي وضع هش جدا، ربما ترغب في التعليق على هذا الأمر".
*وعلى الفور نطق الرجل بعبارات بل بقنابل إنشطارية (وبلا مُبالغة) أكاد أجمع شظايا جبهات بعض الحضور هناك، عندما حوّل الموقف إلى ساحة نضال بقوة الحجة والمنطق، انتصر فيها لإخوانه السعوديين بالحق، تحدث بالإنجليزية بطلاقة، لكنّ أَماراتِ الحزم على وجهه، والصدق الذي تنطق به قسماته، يجعل العرب مثقفين وأميين، يدركون أنه يدافع عن أرض الحرمين.
كان لمنطقه دلالات وإشارات، يعيها من يُفرّغ نفسه من خلفيات الأحكام المسبقة وقيود نظرته الأحادية.
قال العطية ما نصّه: "أنا لا أوافق على ذلك تماما، المملكة العربية السعودية دُعامة العالم الإسلامي، وقد افتتحتُ بياني للتو بالحديث عن القوة الأخلاقية الموجودة داخل مجلس التعاون الخليجي خاصة في المملكة العربية.
السعودية ترعى الحرمين، ولولا الخطاب المعتدل الذي يصدر عن السعودية اليوم، هناك مليار ونصف المليار مسلم حول العالم، علينا أن نُثني على السعودية في مسألة إبقاء القطار على مساره الصحيح فيما يتعلق بالحفاظ على الاعتدال في الإسلام.
مهما سمعنا هنا وهناك عن مشاعر مضادة ، إذا ما أردتم أن تروا الأمور بوضوح حاولوا أن تنظروا إليها عن كثب، وأن تروا المنافع التي تنتج عن رعاية هذين الحرمين لكل المسلمين في العالم والحفاظ على الاعتدال.
هناك مسلمون في إندونيسيا ومرورا بأوروبا وصولا إلى المغرب، السعودية تلعب دورا كبيرا جدا في استمرار هذا الاعتدال".
وللخطاب دلالات وإشارات:
أولى دلالات حديث وزير الخارجية القطري، هو ذلك التناغم والانسجام في العلاقات القطرية السعودية، حيث أصبحت لدينا منظومة عربية تتحرك في المحيط الخارجي تسمى "قطر والسعودية".
*قطر تتعامل مع المملكة العربية السعودية بمنطق تكامُلي لا تنافسي، متحررة من هواجس الابتلاع السعودي والذوبان في الفلك السعودي، التي تعاني منها دول خليجية لديها مخاوف الطبيعة القبلية وسيطرة مشايخ القبائل، والتي اعتبرها الدكتور عبد الله النفيسي أحد أبرز العوائق التي تقف أمام الاتحاد الخليجي.
*قطر تجاوزت الخلافات السابقة مع السعودية، ووسّعت منظورها الخليجي والإقليمي، وتعالت على المصالح الضيقة التي تفسد البيت الخليجي وتتجاهل قضايا الأمة، والتفتت إلى المساحات الواسعة المشتركة بينها وبين السعودية، ومنها كانت الانطلاقة.
*وانطلاقا من ذلك تقف قطر في صف المدافعين عن السعودية، وفي موقف المدافعين عن التوجه الديني للمملكة الذي يصفه البعض بالوهابية، ونرى توافق الرؤى بينها وبين السعودية في الملفات الشائكة في المنطقة، بما يجعلنا نجزم بأننا بصدد مشروع كبير ، تقوده تلك الكتلة التي تنتظر أن ينضم إليها بقية الشرفاء.
*من جهة ثانية، العطية قد أحسن استغلال السؤال الموجه إليه من قِبَل رئيس المؤتمر، فقد كان المسار الطبيعي للرد أن يتجه لبيان محورية الدور السعودي في المنطقة، وقوّتها ومركزيتها وأهميتها السياسية والاقتصادية، وأنها ليست هشة مقارنة بإيران..
كن وزير الخارجية القطري استثمر السؤال في الدفاع عن السعودية فيما يُروّج عنها من أنها محضَنُ الإرهاب ومُصدّرُه الأول للعالم.
*العطية أبرز حاجة العالم إلى المملكة باعتبارها قد حافظت على وسطية الإسلام واعتداله، وأنها رُمّانةُ الميزان في حفظ هذا الاعتدال على المستوى العالمي.
وهي نقطة برَع فيها العطية، حيث ظهرت كلماته كرسالة موجهة للعالم، مفادها:
"أنتم تحتاجون إلى السعودية في الحفاظ على المسار المعتدل للإسلام".
وبضدها تتميز الأشياء، فمضمون كلامه يوجه رسالة أخرى للعالم مفادها:
"الهجوم على السعودية ومحاولة تقويض دورها، إنما يفتح الباب على مصراعيه للإرهاب والتطرف".
ومن وجهة نظري، فإن تصريح العطية (وزير خارجية قطر) ، قد احتوى على أبلغ رد يمكن طرحه أمام هذه الاتهامات التي تطال السعودية ليل نهار، في الإعلام الغربي بل وفي بعض الدول العربية الناقمة على السياسات الجديدة للمملكة".
ومن جهة ثالثة، فإن التصريح فيه إشارة إلى قضية الهوية الإسلامية التي تجتمع عليها الأمة، والتي تمثل السعودية نقطة ارتكاز فيها.
وهذا يجعلنا نقف في وضع المقارنة بين الفترة الحالية التي تتردد فيها الإشارات والتصريحات والتلميحات حول الهوية، وبين فترات سابقة كان الحديث فيها عن الهوية الإسلامية والالتفاف حولها، تفرّ منه التصريحات الرسمية فرارها من الأسد، خوفا من فزّاعة مصطلحات الإرهاب ،والدولة الدينية، والعنصرية، والطائفية.
وهذا بدوره يدعم وجهة النظر التي تؤكد قيام تحالف سني في المنطقة، نُواته كل من: السعودية وقطر وتركيا.
السياسة القطرية، وصلت إلى مستوى الرشد، وتحركاتها الخارجية مدروسة بعناية، وتوجهاتها واضحة، ومبادئها ثابتة، ولذا يُعوّل عليها شرفاء الأمة.
حفظ الله بلادي وردّ كيد الظالمين الى نحورهم ..
وسوم: العدد 646