زعيم "أصلي".. وزعيم "تجاري"
في عالم الصناعات يوجد منتج " أصلي" ومنتج " تجاري" .. الأصلي صناعة حقيقية خرجت من البلد صاحب المنتج ، أما التجاري فهو صناعة مغشوشة صنعت خارج حدود بلد المنتج الأصلي
وفي عالم الزعامات أيضا هناك زعيم أصلي ، وزعيم تجاري ( أو تايوان ) بلغة السوق - كلاهما صناعة - .. الزعيم الأصلي صُنع في بلده ، صنعه شعبه داخل حدوده ، أما الآخر فهو زعيم صُنع خارج الحدود
في العالم العربي وفي مصر تحديدا يوجد شعب يحترف استخدام المنتجات المغشوشة ( الغير أصلية ) ، كما يحترف تقبل الزعامات (التجارية ) المغشوشة ، فمنذ أن كان فرعون يستخف قومه فيطيعوه بذرت في هذا الشعب جينات الخنوع والذل ، ولم يتخلص هذا الشعب من تلك الجينات إلا عندما اعتنق الإسلام ؛ الذي جاء لينزع عنه تلك الجينات
فالتاريخ القديم لا يحدثنا عن ثورات تذكر في مصر القديمة - إلا عن ثورة وحيدة قامت على خامس ملوك الأسرة السادسة - لأنهم كانوا يعتبرون الفرعون الحاكم إله أو ابن إله ، وهل يثور العبيد على الإله ؟ ! - يقول المؤرخون أن فكرة تقديس الحاكم وتأليهه نشأت في الشرق -
أما التاريخ الحديث فيحدثنا عن ثورات كثيرة قامت فوق تلك الأرض وكانت جذوتها التي أشعلتها نزعة الحرية التي زرعها الإسلام في أتباعه
الفرعون صناعة شعب ..
الفرعون صناعة شعب قال له فرعون " أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى " فسجد له ، ثم قال له " مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ " فصدقه واتبعه ..
" الزعيم الملهم " أيضا صناعة شعب فتح عقله وقلبه لأدوات هذا الزعيم المضلل من إعلام فاسد ونخب فاسدة
و "الأخ القائد " صناعة جهل وتخلف هذا الشعب الذي رضي بأن يستغفله رجل نمرود لا يملك أن يدفع عن نفسه أذى بعوضة
كيف نفرق بين الزعامة الأصلية والزعامة المغشوشة ؟
الزعيم الأصلي من ينبت في طينة أرضه ولا يكون نبتا شيطانيا جاء من كناسة قوى استعمارية وهي تلقي فتات طعامها على شعب فقير .. الزعيم الأصلي هو من يأتي به شعبه طواعية ، ولا يأتيهم هو راكبا حلمه أو راكبا دبابته أو لابسا لامته أو شاهرا مدفعه .. الزعيم الأصلي هو من نجده يمشي بين شعبه مطمئنا فهم عزوته وسنده .. الزعيم الأصلي من لا يطلب الزعامة لذاتها أو يراوده حلمه بأن يصبح زعيما طلبا للزعامة ولكن من يراوده حلما لأمته ، ويكون لديه مشروعا يريد أن يحققه لها
أما الزعيم المغشوش " التايوان " هو من يُصنع خارج حدود بلده وتريده قوى الاستعمار أن يكون كنزا استراتيجيا لها ، أو طفلا رضيعا يعطوه الرضعة إذا شاءوا ويمنعونها عنه إن شاءوا ، أو يحفظونه في صندوق حمايتهم إن رأوا ذلك ، أو يلقونه في اليم عاريا إن أرادوا
الزعيم المغشوش هو من يصطنع لنفسه شعبا خاصا به من فئات تنافقه ، أو فئات يستهويها تمثيله وتمثيل من حوله ، أو فئات تأكل على مائدته وتنتظر ما يلقى عليها من فتاته ، هذا الشعب الخاص هو ذلك الملأ الذي كان يحيط بفرعون الأمس ويحيط بكل الفراعين ؛ هم أولئك الذين دعا عليهم نبى الله موسى عليه السلام " وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ " يونس/88
وهنا لابد أن نذكر : أن الغرب ( مستعمر الأمس ) يجيد صناعة الزعامات المغشوشة ، والأمر هنا لا يختلف كثيرا إن ألقت الأقدار ذلك الزعيم المغشوش في طريقهم فتلقفوه وجهزوه للمهمة ، أو صنعوه هم من البداية على أعينهم
فقد يولد زعيم على أثر حلم راوده فيتلقفه الغرب الانتهازي كي يصنعه على عينه ويغذى شبقه للزعامة ، كما فعلوا مع عبد الناصر وزعامات أخرى .. يقول صاحب كتاب لعبة الأمم : " لو لم يولد عبد الناصر لسعينا لولادته "
من أراد أمثلة على زعامات من الطراز الأول ( الأصلي ) فليمد بصره إلى أقصى الغرب إلى أمريكا اللاتينية حيث البرازيل وزعيمها دي سيلفا ، أو يمد بصره إلى أقصى الشرق في أسيا حيث ماليزيا وزعيمها المسلم مهاتير محمد ، أو فليمد بصره إلى جنوب القارة السوداء وزعيمها الأصلي مانديلا ، ولا نريد أن نوصى بمد البصر إلى الشمال حيث تركيا وزعيمها فإن شعب الفرعون يناصبه العداء رغم أنه زعيم مسلم أوصل بلده في عشر سنوات إلى قمة العشرين
أما من أراد أمثلة على زعامات من الطراز الثاني (المغشوش ) فلا يذهب بعيدا عن عالمنا العربي فسوف يجد ما يريد ، وسوف يجد بصمات هذه الصناعة المغشوشة بادية للعيان.
وسوم: العدد 647