بوتين ….. استمرار لحرب بدأت مع ظهور الإسلام
الحرب ضدّ الإسلام ، باعتباره المحرّر للشعوب ، والمفجّر لطاقاتها ، والحامي لها من كلّ أشكال العبودية والاستغلال لم تتوقف، فمع كسب المسلمين الصراع في جزيرة العرب على قوى الشرك والتعصب والجاهليّة ، وبناء كيان سياسيّ ، يقوم على اساس التوازن بين المادة والروح ، والفرد والمجتمع ، والانسان والكون ، والدّنيا والأخرة ، أرسيت قواعده على العدالة الاجتماعيّة ، وإعلاء كرامة الانسان ، توقفت الحرب بين الفرس والروم ، لتتوحد الجهود لمواجهة العدوّ الجديد ، الخارج من جزيرة العرب ، الذي كان شعاره ( الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن ضيق الدّنيا إلى سعة الدّنيا والآخرة ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ) . ولم يتوقف هذا الكيد للإسلام إلا بمقدار شعور أعداء الاسلام بالعجز عن مواجهته ، وكلّما لاحت في الأفق فرصة للانقضاض على الإسلام اغتنموها ، فكانت الحروب الصليبيّة بالعنوان الذي اختارته أوروبا ، وأصر عليه الباباوات والملوك ، وكان الغزو المغوليّ ، الذي أفسد في الأرض أيّما إفساد ، وكان التطهير العرقيّ لمسلمي الأندلس ، والغزوات المتلاحقة التي قادتها إسبانيا في البحر المتوسط لاخضاع شمال افريقيا ، والمؤامرة الصليبيّة اليهوديّة لتفكيك الدّولة العثمانيّة ، واخضاعها ، وإخراجها من دورها الحضاري ، والاستعمار الحديث ، الذي لم يتعاف منه العالم الاسلامي حتى اليوم ، وزرع جسم سرطانيّ عنصريّ توسعيّ في فلسطين ، واخيرا وليس أخرا جاء احتلال الأرض العربيّة والإسلاميّة ، وبقرارات دوليّة ، باسم محاربة الإرهاب حينما فوجئ أعداء الاسلام بثورات الربيع العربيّ ، التي رأوا فيها بعثا لنهضة الأمّة من رقادها ، وانعتاقا من أغلال أنظمة الفساد والاستبداد ، التي فرضت على الأمّة التخلّف والتبعيّة وذهاب الريح ، فحرّكوا ابتداء قوى الثورة المضادّة لاجهاض الربيع العربيّ ، وجيّشوا الجيوش والأساطيل البحريّة لتصفيّة حساباتهم مع مسلمين توّاقين للحريّة والسيادة والنهوض ، وقد وجدوا في حكّام بُلهْ ، أعمتهم شهوة السلطة ضالّتهم ، فحينما عجزوا بكل امكانات الدّول التي اغتصبوا الحكم فيها عن إخماد تطلعات الشّعوب ، مدّوا أيديهم مستعينين باتباع الصليب ، وتلاميذ التلمود ، وبكيانات طائفيّة حاقدة , تحرّكها أحقاد وضغائن ، وشعور بالمظلوميّة ، وهم أصحاب تاريخ طويل في التعاون مع الغزاة والمعتدين .
وأخيرا جاء دور الدّب الروسي ، الذي أوكل إليه المضيّ بالمهمّة ، والذي رأوا فيها فرصة لتصفيّة حسابات ، بعضها قديمة ترجع إلى أيام الصراع مع الدّولة العثمانيّة ، وبعضها حديثة ترجع الى هزيمة الاتحاد السوفيتيّ في أفغانستان ، التي دقت آخراسفين في نعش الإتحاد السوفيتيّ . جاء بوتين إلى سوريّا يحمل أطماعا امبراطوريّة ، وغرورا باستعادة دور الاتحاد السوفيتيّ يوم كان ندّاً للولايات المتّحدة الأمريكيّة ،وللدّخول في مقايضات مع الادارة الأمريكيّة والغرب في ساحات أخرى .
جاء بوتين تحت غطاء محاربة تنظيم الدّولة ، وبضوء أخضر من الادارة الامريكيّة ، وبتنسيق تامّ مع الكيان الصّهيونيّ ، وترحيب حارّ من النّظام النّصيريّ وراعيته الجمهوريّة الايرانيّة .
جاء بوتين بأحدث ما في ترسانته العسكريّة يجرّبها بالشّعب السوريّ ، الذي يتعرّض منذ خمس سنوات لحرب إبادة ، أهلكت الحرث والنّسل ، وبدعم كامل من المليشيات الشيعيّة في ايران والعراق وأفغانستان ولبنان،
فهل كان الغزو الروسيّ لمواجهة تنظيم الدّولة ، أم أن تنظيم الدولة كان غطاء خادعا لأحقاد صليبيّة ، وأطماع امبراطوريّة ؟
واقع الحال يقول بالثانية ، فتقرير منظّمة العفو الدوليّة الصادر في
23/ 12 يؤكد أن الغزو الروسي تسبّب في قتل مئات المدنيين ، وبدمار هائل يرقى الى حد كونها جرائم حرب ، ولم تسلم منه المستشفيات والمراكز الصحيّة ، والمدارس ، والمساجد ، والأسواق ، كّما تؤكد التقارير أنّ معظم ضحايا هذا الغزو من المدنيين أطفالا ونساء وطلاب مدارس ، ومن المعارضة المصنّفة بالاعتدال .
ولم يخف الغزاة الرّوس أحقادهم على الأتراك ، لأسباب عقديّة وتاريخيّة ، وحنقا على نهضة تركيا الحديثة ، التي يقودها حزب العدالة والتنمية ، التي تستهدف إستعادة دورها الحضاريّ ، وبناء دولة حديثة ، تشكّل نموذجا فريدا في المنطقة ، واحتجاجا على الموقف التركي المتميز في الانحياز الى عدالة قضيّة الشّعب السوريّ ، فراحوا يتحرّشون بتركيا ويستفزّونها ، ويستعدون عليها .
ولكنّ عزاءنا ونحن نشهد قوافل الشهداء ، والأجساد الممزّقة والمتفحّمة والمدن والبلدان التي تحوّلت إلى ركام ، أنّ إرادة الشعب السوري لن تنكسر أمام الهجمة الروسيّة ، وأنّ تركيا لن تخضع للتهديد والابتزاز ، ولن تتراجع عن مواقفها التي اتنزعت احترام أحرار العالم ، وأنّ مصير هذا الغزو لن يكون أحسن حالا من سابقه في أفغانستان ، وأنّ المسلمين في العالم أجمع ، بمن فيهم مسلموالجمهوريّة الروسيّة لن يسمحوا للغزاة بالافلات من العقاب . ( ويسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبا ) .
________________
الدكتور حمزة منصور: أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي السابق _ الأردن
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية
وسوم: العدد 647