كلمات وأحداث في وداع العام 2015 السعودية وتركيا : لقاء الرابحين
نودع عاماً ونستقبل عاماً جديداً، وما زالت الأمة العربية بحاجة إلى من يأخذ بيدها، بعد أن أثخنت الجراح جسدها، ولم يبق فيه موضع شبر إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة سهم .
أمة… لا تجد من يدوايها، أمة… سالت دماؤها بحوراً وأنهاراً… ولا تجد من يحميها، ذبحت نساءها وأطفالها وشيوخها… ولا تجد من يواريها، أمة…. هدمت بيوتها ومساجدها وصوامعها… ولا تجد من يبكيها ، أمة…. هامت شعوبها على وجه البسيطة فلم تجد من يأويها…
سنة وسنوات عجاف مرت :
ودعنا عاماً وقد اختلطت علينا الكلمات والمصطلحات والعبارات والأحداث والصور والأشلاء والدمار والغبار… فما عدنا ندري أين يجري الحدث الآن ؟….
والشكر موصول دوماً لمذيع الصم والبكم الذي يقول لنا تكفي الإشارة؟. كنا نتحدث عن جرح واحد في جسد الأمة هو فلسطين ، اليوم نتحدث عن جراح غائرة لا تحصى ولا تُعد.. جرح العراق … جرح سورية… جرح اليمن… جرح ليبيا… جرح السودان… جرح مصر ….. جرح التخلف والفقر والبطالة والعجز والعوز والمديونية… والحبل على الجرار… وزغردي يا صبحا.
ودعنا عاماً وقد انهارت الجيوش العربية، وحل محلها ميليشيات طائفية ومذهبية وجهوية ، تارة ميليشيا الحشد الشعبي، وتارة جيش طرابلس وجيش برقه وطبرق ، ودعنا عاماً وقد تكنت الجيوش بأسماء قادتها كجيش حفتر وما سواها..
ودعنا عاماً وفجأة ظهرت مصطلحات واصطلاحات وتحت عناوين ومسميات تفتيت دول الأمة العربية : كالأمة الكردية، والأمة الآشورية،… ودعنا عاماً وقد ولدت دولة جديدة اسمها تنظيم الدولة “داعش “. وبشرونا بدين جديد اسمه التشيع وقداسته وليه أعلى من الأنبياء .
ودعنا في هذا العام القمم العربية… لأن عدد الدول قد نقص، ودول على طريق الزوال ، أخرى تنتظر… لم يعد هناك بيان بروتوكلي كاذب ومزيف ليصدر، أبشركم فقد توق الآن ، وليتوقف معه الاستمرار في فهرسة أكبر أرشيف قرارات في تاريخ البشرية… لكن صوت بيانات الشجب والتنديد من الجامعة العربية التي دخلت غرفة العناية الحثيثة… لازال يصدر!!..
فدعونا نعطيها الفرصة كي تلفظ أنفاسها الأخيرة… لتقول لنا ماذا؟ لتقول: أنني لا زلت موجوداً ، وموظفينا بدون رواتب… لكن حان الوقت لنقول لها أنك تقاعدت من العمل العام بنسبة عجز جسيم يصل إلى 90% ، وعلينا إحياء السُنة الآن… لنقول لك : إكرام الميت دفنه.
ودعنا هذا العام ولعنة النفط قد حلت ، لأننا لم نؤمن ونتيقن يوماً بحديث نبينا الأكرم بأننا شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار ، لكن للأمانه بعد التضرع والتوسل كان يصل الفتات إلى الشعوب الجوعى التي لعنت الجغرافيا والجيولوجيا والسياسة التي حرمتها من استخراج نفطها ، لكن على الصورة الأخرى فمشهد ربوع الأفندية مازال يراودهم بُشرى لبس الدشداشة البيضاء يوماً ، لكن ضعُف الطالب والمطلوب … لأنهم ما زالوا لا يدركون أنهم سيبقون مجرد بلاك وتر ليتم إرسالهم هنا وهناك لقاء دراهم معدودة.
ودعنا هذا العام وقد دخلت إيران العتبة النووية بشكل رسمي، نحن بحمد الله احتفلنا مستبشرين بوصول صوت صاحبة الصوت الناري المحتشم التي أطلقت محطة mbc عليها لقب الصاروخ “نداء شراره” التي صدحت ليصل صوتها إلى كل جغرافيا العالم العربي في برنامج “ذا فويس” إلى الوطن العربي الذي لم يعد موجوداً للأسف.
ودعنا هذا العام والراقصة والساقطة صارت الأم المثالية التي تحدثنا عن الفضيلة والأخلاق.
نستقبل عاماً جديداً بعيون ملؤها الرجاء والأمل إلى فرج قريب… فمتى…، بعد أن كثر الهرج والمرج ، وتسيد العدو على قراراتها.
فإلى الله الملجأ والمشتكى.
أستميحكم عذراً وأعود إلى السياسة .
السعودية وتركيا : لقاء الرابحين
كان لزیارة أردوغان إلى الریاض ولقائه بالعاهل السعودي صلة بما یحدث في المنطقة عموماً، وما يعصف بها من أزمات لها تداعياتها الخطيرة على الأمن الإقليمي خصوصاً ، وما يجري في سورية والعراق .
لا شك بأن هناك جانباً آخر لزیارة أردوغان یرتبط بالوضع الخاص بتطورات العلاقات التركية – الروسية ، والتطورات المیدانية في سوریا بعد إجماع كل من النظام السوري والروسي والإيراني ومن لف لفيفهم على تصفية المعارضة المعتدلة في سورية، لصالح تقوية داعش والمليشيات الدموية الإرهابية التي أجمع هذا الثالوث الشيطاني على دعمه، وما تصفية القائد زهران علوش ورفاقه من قبله من القادة المعتدلين إلا لادخال الأزمة السورية في هذا النفق المظلم ، وتأجيجها من جديد .
الآن یمکن القول إن الدولة السوریة كوحدة واستقلال باتت على المحك فإيران ومليشياتها تحاول السيطرة على جغرافية حدودها الخارجية شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً مع تصاعد العمليات الروسية ضد المناطق الحدودية جواً ، تمهيداً لانتقال إيران وحزب الله للسيطرة عليها براً وهذا الأمر یعني تعزیز استراتيجية الثالوث الشيطاني من خلال تغيير قواعد الوضع المیداني من خلال السيطرة على المعابر والحدود، وبموازاة ذلك تكثيف عملياتها العسكرية لصالح المواجهة مع المجموعات المعتدلة؛ تمهيداً لتصفيتها، ما لم تتحرك الدول المهمة والمحورية؛ لا سيما السعودية وتركيا لانقاذ الموقف؛ إضافة إلى التوجه إلى تقوية وضع داعش وأخواتها على مسرح العمليات العسكرية.
ویمکن إضافة الاعتراف العالمي بدور السعودية وجبهة مقاومة الإرهاب التي تشكلت من الدول الإسلامية وفي مقدمتها تركيا، الساعية إلى استتباب الأمن العالمي، ومكافحة الإرهاب الذي يتعزز وضعه يومياً، كمحددات مهمة وأساسية داعمة للتكامل الإقليمي لمواجهة التحديات المصيرية والخطيرة التي تواجه المنطقة، نتيجة لعدة متغيرات؛ يأتي في مقدمتها التهدید الذي تمثله إيران للسلام العالمي من خلال دعمها للإرهاب الإقليمي والدولي على حد سواء، مما وضع دولة ولي الفقيه في مأزق خطير، فجاء التحالف الاستراتيجي السعودي – التركي ، ليضاف إلى قائمة التحدیات الخطيرة التي تواجه النظام الإيراني في الوقت الراهن.
لهذا ونظراً لهذه المعطیات، یُمکن القول أن زیارة أردوغان للریاض لیست مجرد مسرحیة للتظاهر بالاتحاد والتکامل بین خاسرین في المعادلات الداخلیة والخارجیة للدولتین الترکیة والسعودیة، كما تعلن عن ذلك إيران وعصابتها، والتي جن جنونها لهذا التحالف، فاستنفرت دميتها في العراق الجندي المنضبط بتنفيذ تعليماتها “العبادي” الذي تقدمه على طاولة الشطرنج وتؤخره كيف تشاء لتهديد تركيا ليل نهار لسحب المائة جندي ، ونسي أن جنود ولاية الفقيه ومليشيات الموت قد جثمت على صدر العراق الجريح ودنسوا أرضه وسماءه وماءه ، وسلبوا مقدراته ، ولم يُحرك لا هو ولا غيره ممن انخرطوا في العملية السياسية ساكناً ، فيا للسخرية .
على أية حال یبدو أن الوضع المیداني في سوریا إذا استمر بهذه الشاكله، وعلى هذا المنوال لن يكون مطلقاً لصالح داعمي خيارات الشعب السوري في الانعتاق والتحرر؛ لهذا حط أردوغان الرحال في الریاض للتشاور مع خادم الحرمين الشريفين، للاتفاق على أجندة تقضي باتفاق استراتيجي عنوانه التحرك على كل المحاور والجبهات حول الاستراتيجيات الواجب اتخاذها لتعزیز موقف الشعب السوري وقواه الحرة الشريفة التي تناضل وتكافح شظاظ الأرض الذين يستغيثون بعد الله بكل القوى الحية المؤمنة، بعد أن أصبحت معزوفته رحلة الأمل والحياة… بعد أن هرب من الموت فاحتضنه البحر؛ فاختزل حاله ووجعه بكلمات كُتبت بالدمع والدم… مطلعها:
سفرني ع أي بلد… واتركني وانساني…
بالبحر ارميني ولا تسأل… ما عندي طريق تاني…
وانساني …
فلم تعد هناك تكاليف نقل وشحن ودفن وعزاء.
د.نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية
وسوم: العدد649