كأن رفسنجاني يقول الحرب تشتعل بين أجنحة النظام الإيراني
هل ستزيد الاحتمالات لانشاء “تشكيل مجلس قيادي” يعقب شغور منصب المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، مع ترشيح حسن الخميني، حفيد آية الله روح الله الخميني، لانتخابات مجلس خبراء القيادة الإيرانية، المزمع إجراؤها في 26شباط/ فبراير من هذا العام ؟ وما هي السيناريوهات وردات الفعل المتوقعة على ضوء التطورات المتسارعة التي تجري في إيران؟ .
لا شك بأن المشهد السياسي الداخلي في إيران عنوانه الأبرز في هذه اللحظات هو التوتر المشوب بالحذر الذي قد يفجر الأوضاع الداخلية برمتها ، في ظل اعتماد الفرقاء السياسين والثوريين على فكرة السيناريوهات وردات الفعل المضادة على ضوء المستجدات التي قد تتطور في أية لحظة .
بدأ الحراك الإيراني يزداد سخونة شيئاً فشيئاً مع قرب استحاق انتخابات مجلس الخبراء الذي يضم حاليًا 86 عضوا،وهو المجلس المكلف بانتخاب المرشد الأعلى لإيران ، وهو المجلس المخول في نفس الوقت بخلع المرشد إذا ثبت عجزه عن أداء واجباته أو فقد احد مؤهلات اختياره.
انتخابات مجلس الخبراء سوف تجري بالتزامن مع تجديد مجلس الشورى الذي يعد 290 نائبا، وقد قام بالتسجيل أكثر من 14 الف مرشح لعضويته بحسب الاحصاءات الرسمية .
يعتبر هذا الاقتراع اساسي بالنسبة للرئيس روحاني الذي يأمل بالحصول على غالبية من النواب الاصلاحيين في مجلس الشورى للوقوف معه ضد سطوة الجناح المحافظ الذي يهيمن على مجلس الشورى منذ سنوات خلت . كذلك ينبغي الاشارة هنا إلى أنه ينبغي أن يحصل المرشحون الى انتخابات مجلس الخبراء أو مجلس الشورى على موافقة مجلس صيانة الدستور( شوراى نكهبان )، الهيئة الدستورية المكلفة الاشراف على كل الانتخابات الإيرانية ، والتي يهيمن عليها حاليا التيار المحافظ ، وبشكل يستطيعوا من خلاله فرز الصالح و الطالح من المرشحين ، وتحديد مسار تكوين المؤسسات، والنخب التي تقودها .
مسارات الأزمة حالياً
وجدت دعوة مرشد الثورة إلى المشاركة في انتخابات لمجلس الخبراء صداها عند مؤسسات الجناح المحافظ ورموزه ؛ حيث بدأت حملة كبيرة من خلال وسائل الاعلام ، ووسائل التواصل التابعة للنظام ، حيث أجمعت أن ذلك من شأنه تعزيز شرعية النظام ، وتوجيه رسالة للخارج الذي يحاول دوماً النيل من الثورة وما حققته من مكتسبات وانجازات ، وهي الأسطوانه المشروخة التي صدع بها النظام الإيراني رؤؤس شعبه طوال أكثر 26 عاماً .
سيناريوهات خامنئي والمؤسسات الثورية
بدأ المرشد ومن خلفه بحبك مخطط قائم على عملية مساومة بين القبول بترشيح حسن الخميني لمجلس الخبراء مقابل حذف اسم رفسنجاني ، أو العكس خشية من قيادة تحالف من داخل مجلس الخبراء في حال نجاح الرجلين ؛ الأمر الذي يمهد لمشروع رفسنجاني المميت – على حد تعبير رموز التيار المحافظ – القاضي بتبني فكرة مجلس شورى القيادة ، كبديل عن منصب المرشد ، تمهيداً لإجراء تعديلات دستورية سوف تقود لتحول إيران إلى شكل جديد من ناحية بنائها الدستوري؛ مما يعد انقلاباً غير مسبوق على الثورة والدولة الإيرانية .
السيناريو الأول : القبول بترشّح حسن الخميني لانتخابات مجلس خبراء القيادة إضافة إلى رفسنجاني :
أكد حسن الخميني(43 عاماً) أنه قد درس مسألة ترشُّحه مع المرشد علي خامنئي، ومراجع دينية عديدة ، إضافة إلی رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام رفسنجاني ، والرئيس حسن روحاني، والرئيس السابق محمد خاتمي ، دون الاشارة إلى مباركة المرشد خامنئي .
رافق هذا الاعلان سيل من التوقعات بنيله نسبة عالية من أصوات الناخبين باعتراف بعض مراجع التقليد اللذين أبرقوا لخامنئي بالسماح لحسن الخميني بالمشاركة في هذه الانتخابات لرفع نسبة التصويت ؛ وهو ما سوف نبحثه لاحقاً .
لا شك بأن لدى التيار الاصلاحي مسوغات ودوافع محمومة يريد لدخول حسن الخميني لمجلس الخبراء ؛ فوصوله سيتيح تشكيل ما يعرف بالتحالف القوي الذي يقوده مع رفسنجاني وروحاني، في مقابل محور محافظ يقوده رئيس مجلس صيانة الدستور( شوراى نكهبان) أحمد جنتي الطاعن بالسن ، ورجل الدين ذا الرؤية التي تجمع بين الهذيان المهدوي والفكر الامبراطوري الإيراني ، والأب الروحي للرئيس الإيراني السابق محمد تقي مصباح يزدي، وعضو هيئة مدرسي الحوزه آية الله محمود شهرودى مصباح يزدي وجميعهم أعضاء في مجلس الخبراء.
يرى الإصلاحيون أنهم بحاجة إلى حسن الخميني ، حيث سيستطيعون الاحتماء وراء كاريزما حسن الخميني القريب من أفكارهم، والمعارض لتوجهات الجناح المحافظ ، والمشكك حتى ببعض أطروحات جده وفي آلية تطبيقها، والذي لا يجرؤ الجناح المحافظ على انتقاده، أو النيل منه .
بنظر المرشد والجناح المحافظ فإن نجاح الثنائي خميني / رفسنجاني ، حيث سيمهد هذا الأمر لسيناريو رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، أكبر هاشمي رفسنجاني، لتشكيل “مجلس قيادي” لإيران بدلاً من اختيار مرشد جديد بعد وفاة خامنئي أو في حال عجزه ، ووفقًا لمبادرة رفسنجاني التي اقترحها سابقاً ، ستتم هذه العملية من خلال ترشيح أعضاء لشورى القيادة وانتخابهم بالاقتراع المباشر من قبل مجلس خبراء القيادة بدل اختيار الولي الفقيه كمرشد جديد لإيران . وضمن هذا الاطار أعلن رفسنجاني عن نيته الترشح للانتخابات القادمة لمجلس الخبراء ، ودفع بحسن الخميني بهذا الاتجاه ، بغرض قيادة تيار من مجلس الخبراء لفرض أشخاص مجلس القيادة . وهذا ما لايمكن القبول به لا من جانب المرشد ولا من جانب التيار المحافظ ، وإن تم قبول ترشيح الإثنين خميني / رفسنجاني على مضض سيكون مشروطاً برفض مشروع شورى القيادة جملة وتفصيلاً .
السيناريو الثاني : القبول بترشح رفسنجاني ، ورفض أهلية حسن الخميني :
لا شك بأن هناك احتمالية لاستبعاد الخميني من انتخابات مجلس الخبراء لعدم مشاركته في امتحان متعلق بالفقه، كشرط مسبق للتأهل للترشح ، حيث صرح مقرب من حسن الخميني أنه لم يتلق “دعوة رسمية ” للتوجه الى هذا الامتحان. واضاف هذا المصدر “ عندما تم عقد هذا الامتحان كان حسن الخميني يعطي درسا” في الفقه.
في هذا الاطار شارك نحو اربعمائة وعشرة مرشحين في هذا الامتحان الفقهي الذي ينظمه مجلس صيانة الدستور في مدينة قم المقدسة، لكن حسن الخميني لم يكن حاضرًا، حيث صرح سياماك ره بايك العضو في المجلس والمتحدث باسم اللجنة المكلفة الاشراف على الانتخابات “ان لم يشارك احد في الامتحان لتقييم مستوى معارفه في الفقه، لن يستوفي الشروط المطلوبة ليكون مرشحا”، حيث تمت دعوة 540 من المرشحين ال800 للمشاركة في الامتحان- بينهم نحو عشر نساء- لكن لم يحضر سوى 400. واضاف سياماك ره بايك انه والمرشحون الذين لم يحصلوا دراسات دينية يستبعدون حكمًا، علما بان المجلس مؤلف باكمله من رجال دين حتى وان كان يحق لمدنيين الترشح لعضويته.
و لتلافي هذا الأمر قام بعض مراجع التقليد – وهم آیتالله موسویاردبیلی، ، آيات الله العظام كل من علوىگرگانى، محفوظى، كريمىجهرمى، سيدجعفر كريمى، سیدجواد علمالهدى، مسعودىخمينى، احمد بهشتى، اسدالله ایمانی (امام جمعه شیراز) و درى نجفآبادى- بالدخول على الخط وبشكل عاجل من خلال الرسالة التي قاموا بتوجيهها إلى المرشد ، مطالبين بالسماح لحسن الخميني المشاركة بالانتخابات؛ لما لذلك من أهمية بالغة في دفع الناس نحو المشاركة في الانتخابات ، ولتوسم الخير والصلاح به لما فيه خير إيران؛ خاصة أنه يحمل الاهلية العلمية نظراً للكتب والمراجع التي ألفها ، وشهادة آيات الله العظام بعلم حسن الخميني وورعه .وفي هذا الاطار صرح آية الله اردبيلی أن حسن الخميني يمتلك فكراً راشداً وواعياً ، وأنه لوكان هناك عشرة من أمثاله سيكون وضع إيران حتماً أفضل .
السيناريو الثالث : القبول بترشح حسن الخميني ، ورفض أهلية رفسنجاني :
المعلومات المتواترة من طهران لغاية الآن تؤكد وجود توجه يشير إلى رفض أهلية رفسنجاني من جانب مجلس صيانة الدستور ، وهو ما أعلن عنه رجل الدين المقرب وعضو مجلس الخبراء آية الله رسول منتجب نيا ، حيث أكد عن تسريبات من شخصيات محسوبة على المرشد تطالب برد صلاحية رفسنجاني ، وضمن هذا السياق أكد موحدي كرماني أمين عام جماعة روحانيين على خطورة السياسة الأميركية الساعية إلى اختراق مجلس الخبراء والتأثير فيه وبشكل يهدد أسس ومبادئ الجمهورية الإيرانية ،مشيراً بأصابع الاتهام إلى رفسنجاني والمشروع الذي يقوده .
في مقابل ذلك برزت دعوات صريحة منددة بهذا التوجه ، حيث طالبت بإسكات الأصوات المحافظة الداعية لعدم اعتماد أهلية رفسنجاني لمجلس الخبراء ،على أساس اعتباره قامة ثورية كان لها بصماتها الكبيرة من خلال المواقع التي شغلها كعضو في مجلس الشورى لأكثر من ثلاث دورات متتالية ، وأربعة دورات لمجلس الخبراء ، وخوض الانتخابات الرئاسية خلال ثلاث دورات ،هذا عن قيادته لمجمع تشخيص مصلحة النظام ، مُذكرة بما اطلع به رفسنجاني من مهامات خطيرة وجسيمة ، حيث ثمنت رؤيته الثاقبة ، وسداد رأيه، لما كان لها من دور مهم في استقرار الدولة والثورة الإيرانية ،مذكرين بشهادة المرشد السابق آية الله الخميني به ، وإعتبارها كافية لتزكيته لأي موقع كان ، بعد تأكيده على الدور الوطني والثوري المهم الذي قام به رفسنجاني ، واعتماد ذلك كرد على كل من يريد التشكيك برفسنجاني وشخصيته وفكره ، مطالبين المنادين بشطب إسمه من الترشح لمجلس الخبراء بالعودة إلى كتاب صحیفه امام خمینی صفحه 155 مجلد 21 للتثبت من ذلك ؛ وتتسائل في نفس الوقت ما الذي جرى واستجد الآن ليتم التأمر على رفسنجاني ؛ محذرة الجهات التي تطالب بهذا التوجه بتحمل مسؤلياته و تبعات ذلك على الأمن والاستقرار الداخلي والوحدة والسلم الأهلي ، وأثره في رفع نسبة المشاركة واقبال الناس على صناديق الاقتراع .
السيناريو الرابع : رفض أهلية الإثنين خميني / رفسنجاني : السيناريو المستبعد
الأيام حبلى بالتطورات والأحداث ، ولا شك بأن الانعكاسات السلبية للبيئة الداخلية الإيرانية والسيناريوهات المختلفة ، سوف يدفع دوماً بمؤسسسات الثورة تحت رعاية المرشد بافتعال المزيد من الأزمات مع الخارج ، من خلال ممارسة دبلوماسية حافة الهاوية لتوجيه الاعلام والاهتمام عما يعانية الشعب الإيرانية المغلوب، و اشغاله عن التعاطي مع مشاكله الداخلية وتعقيداتها ، تجاه الإقليم الذي يقاسي الأمرين جراء السياسات العدوانية الإيرانية .
د.نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية
وسوم: العدد 651