رياض نعسان الآغا
لم يكن رياض نعسان الآغا مجرد وزير ثقافة يتبوأ موقعه وفقاً لارادة سياسية في مرحلة بعينها ثم يتخذ سبيله في مدارج النسيان سرباً.
كان هذا المثقف السوري رجل إعلام من الطراز الاول وكان محاوراً بارعاً, عابراً للايديولوجيات, قوّي المنطق, موسوعي المعارف. ولقد كان من سوء حظه انه جاء وزيراً للثقافة السورية بعد وزيرة ذات باع طويل في العمل الثقافي هي الدكتورة نجاح العطار, وفي ظروف بالغة الصعوبة تمتحن فيها الاخلاق والارادات, فما كان منه الا ان آثر الانتماء الى الوطن السوري والى جموع الناس فيه, لا الى جماعة حاكمة انتشر عليها امرها فأخذت تخبط فيه خبط عشواء, واتاحت لقوى اقليمية وعالمية اجتياح مدائن الشام, تجوس فيها وتتبّر تتبيرا, وتقتل مئات الالوف من ابنائها وتشرّد الملايين في ارجاء الارض.
على أن انحياز رياض نعسان الآغا الى الوطن السوري الذي ينبغي أن يظل موحداً, وأن لا يفقد ملامحه العروبية, دفعه الى «البقاء في الصورة» يمحض نصحه ما استطاع لمن كان عليهم ان يستبينوا الرشد فيما يأتون وما يدعون, قبل ان تتسع الخروق على الراتقين. مع ما في ذلك من العنت والمكابدة. وهو, في موقفه هذا قريب المنهج من مواطنه العلامة «محمد سعيد رمضان البوطي» الذي كان يصدع برأيه في الاحوال الصعبة التي عاشتها سوريا من قبل بمقتضى التعليم القرآني: «وقولا له قولاً ليّناً لعله يتذكّر او يخشى». وقد كان يمكن لهذا المنهج «الاصلاحي» أن يؤتي ثماره لولا الجهالة والنزق السياسي وانفلات الازمة والمعايير, ثم ما أعقب ذلك من استباق دولي الى انتهاب الشام وتمزيق اوصالها, بعد أن انقضوا ظهرها الاستراتيجي في العراق. ثم ما كان بعد من هذه الفوضى القاتلة التي هيأ لها الغرب الاستعماري الاسباب, تمكيناً لاسرائيل في المشرق العربي الاسلامي, وتوطئة لسايكس بيكو وسان ريمو جديدتين, امعن فتكاً بالعرب والمسلمين واشد تأثيراً.
كان لسان حال هذا المثقف الملتزم هو قول الشاعر العربي:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوّى
فلم يستبينوا الرشد الا ضحى الغد
وما انا الا من غزيّة ان غوت
غويت, وإن ترشد غزية ارشد
ولكن الضحى السوري كان ارجوانياً مضمخاً بالنجيع, وكان على وزير الثقافة ان يتحمل مسؤوليته الثقافية في رفض المآلات المأساوية التي انتهى اليها الشعب الذي ينتمي اليه, وفي الجهر بما يراه والصبر على مقابيل ذلك حتى ما عاد في قوسه منزع, مسجّلاً في الشجاعة الاديبة موقفاً تقاصر دونه كثير من الذين يدّعون في السياسة فلسفة ويزوّرون وعياً, وينعقون بما لا يسمعون (أي بما لا يعقلون), ويزفون فيه كأنهم الى نصب يوفضون.
إن سوريا اليوم معترك سياسات: روسية اميركية ايرانية اسرائيلية فرنسية, انجليزية. سياسات متقلّبة بين الظهور والخفاء, لكن اظهر ما نراه فيها هو الدم العربي النازف وخراب أكثر مدائن التاريخ عراقة, والمصادرة على مستقبل أمة لا يراد لها النهوض بحال, وتدفع عنه بكل سبيل.
في ضوء هذا كله يمكن القول إن رياض نعسان الآغا سيظل في موقع المسؤولية الثقافية التي يتحمل تكاليفها المعرفية والاخلاقية, وسيظل أنموذجاً لرجل الوعي والاصلاح, أنموذجاً نحترمه ونقدره قدره. ونستشعر بالغ احتياجنا اليه في غمرة ما نراه من ألوان السقوط والعماية, والاصطناع.
وسوم: العدد 653