الفكر الإنساني
في سياق موضة وهوس التصنيفات..يحاول بعض الناس تصنيف الفكر..فيلحق به ألقاباً مثل:الليبرالي واليميني واليساري والحداثي والماضوي والديمقراطي والشوري والشمولي والبيعوي والإسلامي إلخ..وعندَ تَأمل مضامين ما يُكتب في تعريف هذه المصطلحات..يجد المرء التداخل العجيب والاضطراب الشنيع بين مفردات الخطاب لدى أتباع كل التصنيفات..مما يُنبئ بأنهم يبحثون عن مسألة واحدة يفتقدها الجميع..يحاول كل منهم التعبير عنها على نحو مختلف..ألا وهي الأمن والاستقرار والسلام..وتجد أن جذر علة ما يفتقده الجميع واحدة..ألا وهو غياب العدل..واضطراب معاييره واختلال آليات تحقيقه..وللأسف لا تجد أحداً من أتباع التصنيفات الفكرية إلا ما ندر وعلى استحيياء يحاول تفسير ظاهرة اختلال العلاقة بين النظرية والتطبيق المبتلى بها الجميع..فالكل ماضي وممعن في اتهام الآخر في تحمل مسؤوليات الحالة المتردية لأمن الأفراد ومجتمعات..ولو أنهم أنصفوا أنفسهم وتجردوا من نزعة الافتتان بالذات وتأملاتها وخصوصياتها..وانتقلوا بأنفسهم إلى منهجية البحث العلمي المحايد..لوجدوا أنفسهم أمام تساؤلات مشتركة تبحث عن أجوبة مشتركة..مثل:أليس سلوك الإنسان يبقى المسؤول الأول والأفعل عن طبيعة المسيرة البشرية إيجاباً وسلباً ..؟ أو ليس ذهن الإنسان ووجدانه يبقيان الموجهين الأساسين لسلوك الإنسان إيجاباً وسلباً ..؟ما هو السبيل إلى فكر وثقافة قادرة على صياغة إيجابية لذهنية الإنسان ووجدانه ..؟ من أين نبدأ ..؟ بكل تأكيد التعارف والتفاهم على تشخيص الشكوى المشتركة وأسبابها هي المنطلق الأساس للبداية الراشدة..ومن خلال تجربتي في الحوار أستطيع القول:أن من أبرز مقومات الشكوى المتكررة في خطاب المفكرين هي:(ما سبب استفحال ظاهرة انتهاك قدسية حياة الإنسان وكرامته وحريته ومصالحه..؟وما هي علة وحشية عبثية الفساد والإفساد في البيئة بشقيها المادي والمعنوي ..؟).أليس كل ذلك يأتي ثمرة نكدة لحالة الافتراق والتصادم بين إرادة القول وإرادة الفعل لدى مسؤولي فعاليات المسيرة البشرية..؟ والسؤال الملح ما السبيل إلى بناء حالة وئام وتكامل بين إرادة القول وإرادة الفعل على كل مستوي في المجتمعات البشرية..؟بكل تأكيد يوم تنتهي حالة التصنيف الفكري والفئوي السلبي..وعندما تبدأ إرادة الفكر والقول وإرادة الفعل والأداء العمل معاً على أنسنة قيم قدسية حياة الإنسان وكرامته وحريته ومصالحه..وإجلال أمنه البيئي الجغرافي والاجتماعي..يومئذ بكل تأكيد تبدأ مسيرة الرشد الإنساني..ووقتئذ يبزغ الفجر الصادق للأمن والاستقرار والسلام في حياة الأمم..فهل نحن فاعلون ..؟طموحٌ وتحدي كبير آمل أن نقدر على مواجهته بجدية ومهارة..والله المستعان سبحانه.
وسوم: العدد 653