حكاية مغترب
حكاية مغترب في سماء ممطرة تاهت عيونه في رمال الأيام
عاقل رمته الأقدار في ديار الغربة ،ذباب الغربة عضَ أجفانه ، وسلب منه سعادة النوم ، مشى ..ومشى على شاطئ الشوق لبلده ،رأى خيالا" يمشي معه ،دون أن يدري،انطلق لسانه يقرأ اللوحات التي تراءات له من صور الخيال .
- أبله رمي به في معترك الحياة ، أبله قذف به في ساحة الأسواق ، أبله سرق منه اسمه وهويته ، فهو هائم يعطل أعصابه وجوه الغربان ، هائم في أزقة الحياة ، لا الصبح ينعشه ولا الفجر يوقظه ولا هديل الحمام يريحه ، هائم .. هائم ..يبحث عن مرفأ، والمرفأ بعيد في أعلى الأرض ، لافتته حلب ,وأين حلب ؟ هل هي مدينة الأحلام ؟ هل هي من الحكايات التي روتها شهرزاد في غابر الأزمان؟ الهائم يتذكر حلب .. يرفع صوته بالأزقة التي يعبرها ، الناس يشيرون إليه كأنه من أصحاب الكهف ، يمشي الهائم وحيدا ".. لا ينظر إلى أحد ، ينظر إلى السماء ،قلبه يرضع من رحمة السماء ، يمشي الهائم وقد تكسرت أشداق الناس بالبهتان عليه، جريمته محبة بلده، يرى أن وجوه الناس فيه أجمل من القمر .
- الأبله يمشي وحيدا"على الشاطئ ، ترعى الرمال قدميه وهو لايشعر بالتعب ، بدا..يصرخ في قفاها هواء النهر، أين يلتجئ؟ والشاطئ الرملي لم يغرس في جنباته للنوم هرب به خياله إلى آخر الأرض فتراءى له نهر .. أدرك أن مياهه دموع المحبين للبلد ..
- من أنا ؟وأنا من ؟ عبد يجر بورقة ، حبالها حروف، مر عليها غراب الليل .. فاطفأمنها النور ، ضاعت المعاني من خزائني ، وأسلمت إلى ربي وأسلمت إلى ربي أمري، وبحثت عن نور الله في آياته خلقه لأغسل نفسي ويسطع فؤادي .. ورأى الحلم حقيقة، وأرى المرفأ يتهادى عند شاطئه مركبي.
- هناك من قال : إن الدنيا شراب وطعام ، وإن السعادة صحن ومعلقة ومال ، وإن السعادة أن ترضي أم البنين ، الغربة غيرت عناصر السعادة ، هربت أفراح الروح وراء البحث عن خبز الحياة ، وعلقت النفس بكل شيء تالف ، غربتي أنستني أجمل الأشياء... قلبت صحائف نفسي لأتلمس بقايا السعادة التي رضعتها من بلدي .
- خلال سنوات غربتي وأنا أحلم بالبلد، أحلم بذرات مطر تقبلني عند الفجر ، أطردها عن معطفي ... وعن شعري .. فتعاقبني بالصخب، وتحفر خصائل شعري أخاديد ليمر عليها محراث المطر ، تلك حكاية من وطني عشقهتها منذ الصغر ، وقدست بها الرب خالق المطر .
وسوم: العدد 656