الجامع الكبير أموي حلب ، الجامعة الشعبية للزائرين، القمر الذي أنار قلوب المحبين
نور من الذكرى
إذا ذكرت حلب ، مالت الرؤوس خشوعا" لمقام سيدنا زكريا عليه السلام ، وانحنت القلوب تضرعا" إلى الله أن يفرج عن المسلمين كروبهم ، العيون جامدة دامعة أمام مرقد نبي من أنبياء الله ، يالسعادة القلوب وهي تسأل ربها أمام مرقد سيدنا زكريا عليه السلام ، أن يحقق نجاوى النفوس .
الجامع الكبير يعود بناؤه إلى عام 715 م وقد بناه الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك ليضاهي مافعله أخوه الوليد بن عبد الملك عندما بنى الجامع الأموي في دمشق ، وهو مشيد على أنقاض كاتدرائية ، مبنية هي الأخرى على أنقاض معبد وثني ، وقد أحرق الجامع الكبير على يد نقفور الامبرطور البيزنطي ، ثم جدد بناءه سيف الدولة الحمداني عام 962 م ، منبر الجامع من الآثار التاريخية النادرة ، صنعه نجار أختريني لم يستعمل المسامير في صنعه ، بل اعتمد على تشابك الأخشاب ، شبيه هذا المنبر ، منبر المسجد الأقصى ، صنعه هذا النجار الأختريني ، ويتميز الجامع بمئذنته السلجوقية التي تعود إلى عام 1089 م .
في العقد الأخير من نهاية القرن الماضي رمم هذا الجامع ، وحين أعيد افتتاحه بعد سنوات طوال من إغلاقه ، عادت السعادة إلى الحلبيين ، فقلوبهم تعشق جامعهم الكبير، أحاديث الآباء والأجداد ، ذكريات خالدة ، عن علماء حلب وقد أناروا القلوب بشرع الله وبسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
لا يغيب ذكرالجامع الكبير عن قلبي ، منارة لي ولكل المسلمين ، تنطلق منه شرايين الإيمان والأمواج المتعالية التي تقذف النفوس برياحين الجنة وتجعل الأرواح هانئة مطمئنة ، كيف يخمد الحب في قلبي ! وقد شاهدت أبي الشيخ محمد زين العابدين الجذبة خطيبا" على منبره ، وقد امتلأت أركان الجامع بالمصلين ، ليس هناك منظر أجمل من منظر الآلاف وهي تركع وتسجد معا" وتردد الله أكبر ، بدأ أبي بالخطابة في الجامع الكبير في عام 1934 وقد سبقه بالخطابة في الجامع الكبير أبوه وأجداده ( ذرية بعضها من بعض ) كان أبي يصحبني إلى زيارة الشيخ ياسين الموقت ، وكان رجلا" نورانيا" – رحمه الله – يعطي الإشارة لمؤذني الجامع حتى ينطلقوا بالآذان .
الجامع الكبير ركن من أركان سعادة أهل حلب ، وأهل ريف حلب ، فهو الجامعة الشعبية التي تلتقي فيه القلوب ، وتنهل منها مبادئ الدين والعلوم التي تنير درب الآخرة ، يقوم بالتدريس فيها علماء ربانيون ، أخلصوا لله في عملهم .
يحيط بالجامع الكبير أسواق المدينة ، تتفرع إلى ستة وثلاثين سوقا"، يبلغ طول الأسواق ( 15 كم ) إذا امتدت على خط مستقيم .
قبل أن تتوسع حلب وتمتد إلى أحياء جديدة ، كان أغلب سكان حلب وريفها يقصدون أسواق المدينة لشراء حاجاتهم ، ارتبطت عمليات الشراء بزيارة سيدنا زكريا عليه السلام ، لقرب الجامع من الأسواق ،حلقات العلماء تنتشر في أرجاء الجامع ، فزائر سيدنا زكريا يقترب الواحد منهم إلى حلقة من الحلقات ويستمع إلى موعظة وهدي ينير قلبه ، كثير من رواد الأسواق يأتون إلى الأسواق لقضاء حوائجهم مع مواعيد دروس العلماء ، الجامع الكبير أنوار العلماء تسطع في أركانه ، الشيخ نجيب سراج الدين ، الشيخ سعيد إدلبي ، الشيخ أحمد الشماع ، الشيخ عبد الله سراج الدين ، علماء كثيرون رحمهم الله ، نساء كثيرات كن يقصدن الجامع الكبير لحضور حلقات العلم ، ونساء أخريات بعد شراء حاجاتهن من الأسواق ، يقمن بزيارة سيدنا زكريا عليه السلام ومنهن من تستمع إلى دروس العلماء .
تتجلى صورة الجامعة الشعبية للجامع الكبير بأجمل مظهر في شهر رمضان ، تتجه القلوب فيها إلى الله ، يمتلئ الجامع بالعباد ، في كل ركن عالم وحوله مريدوه، وكيف ينسى المرء حلقة الشيخ جميل العقاد رحمه الله بعد صلاة الفجر . وماأكثر حديث القلوب لتحقيق الأماني ، تهتف الألسنة بالنذر لقراءة المولد الشريف في جامع سيدنا زكريا .
سنوات طوال لاحصر لها كان حرم الجامع وساحتيه تمتلئ بالطلاب من كل المراحل الدراسية ، يستعدون للإمتحانات ، تجد قلوبهم الراحة في الاعتكاف والراحة في المذاكرة .
ذكريات امتزجت مع القلب ، وشكلت أنهارا" من الحب تروي أرواح أهل حلب وأهل ريفها ،وكلما ذكر الجامع الكبير ، تدفق الربيع ومباهجه إلى القلوب .
ماأصعب الأسى ! حين يشعر المرء بأن قمر سعادته مسه الأذى ، جفت العروق عندما شاهدت العيون حبيبها الجامع الكبير وقد فقد جماله .
ياأحبتي صلوا معي ، حتى يسترد حبيبي جماله .
وسوم: العدد 660