حنتوب الماضي المضيء والحاضر المظلم
سليمان عبد الله حمد
(الحلقة الأولى )
منقول على صحيفة الراكوبة السودانية
مقدمه تاريخيه:
لقد أبدع مداد قلم أستاذنا الطيب السلاوى حين أنسكب على هذه اللوحات التاريخ السودان الغير مكتوب إلا فى ذاكرة من عاشوا تلك الفترات من التاريخ الجميل فأنفرد بهذه اللوحة التاريخية قائلاً : ـ
عندما مال ميزان كلية غردون فى نهاية
عام 1945 وبرزت من قرابها وادى سيدنا وانبرت من عرينها حنتوب انتقل نصف عدد طلاب
الكلية الى واديهم الاخصر فى يناير1946 واستقر بهم المقام والبسط فى مواقع سكنهم (داخلياتهم)التى
احتفظت لها ادارة المدرسة باسمائها التى كانت تحملها فى الكليه وهى اسماء لخمسة من
البريطانيين ممن جلسوا على قمة مناصب الادارة فى السودان فى فترات متفاوتة من بعد
خضوعه للحكم الانجليزى المصرى. اولهم كان لورد كتشنرالذى ورد ذكره فى كتاب المطالعة
العربية " التحفة السودانيه" الذى كان يدرّس لتلاميذ سنه ثالثه فى المدارس ألأوليه.
(ان لم تخنى الذاكره وارجوالتصويب ممن ما ينفك يتذكران جاء فى ذلك الكتاب)ان"
اللورد كتشنر هو فاتح السودان وجالب العمران".وقد ظل تمثاله وهويمتطى صهوة جواده فى
موقعه شمال مصلحة(وزارة المالية السودانيه) على شارع النيل(شارع كتشنر قبل سودنة
اسم الشارع) وهوينظرنحو مديىة امدرمان وما بعدها شمالا.تمت ازالة التمثال ابان فترة
حكم الفريق عبودوتم ترحيله الى بريطانيا مع تمثال الجنرال غوردون الذى كان يتوسط
شارع الجامعه (شارع غردون قبل الاستقلال).
اما سير ريجنالد ونجت الذى خلف
لورد كتشنر حاكما عاما على السودان وفى عهده تم اخضاع واضافة اقليم دارفور الى بقية
اقاليم السودان بعد ان دحر الانجليزقوات السلطان على دينارعام .1916 وظل ونجت حاكما
عاما الى سنة 1920ليخلفه سيرلى
ستاك. الذى كان يحمل لقبى " سردار(قائد عام) الجيش المصرى وحاكم عام السودان "
والذى تم اغتياله فى القاهرة عام 1924مما كانت له نتائج وتبعات لها آثار جمه على
مستقبل السودان السياسى. وظلت داخليات وادى سيدنا منذ بداية الدراسة فيها تحمل
اسماء حكام السودان ونجت وستاك..الذى خلفه جوفرى ارشر(اول حاكم عام تم تعيينه من
خارج منظومة العسكريينالبريطانيين) وهوالذى اثارعلي نفسه غضب "الفورين اوفيس" فى
بريطانيا بزيارته الشخصية التى قام بها للسيد عبد الرحمن المهدى فى الجزيرة ابا..
وهو من تخلى عن لقب "السردار" واعلن انه "قائد عام قوة دفاع السودان" التى عمل على
انشائها بعد اعادة الجيش المصرى الى بلاده فى اعقاب مقتل ستاك فى مصر واندلاع ثورة
1924 فى السودان .. وعن زيارته للجزيرة ابا ولقائه السيد عبدالرحمن فى استقبال حاشد
من الانصار اعلن ارشر ان تلك الزيارة تمثل نقطة فارقة فى تاريخ علاقات بريطانيا ب
"ابن المهدى" رأبا للصدع وتوثيقا لعرى التفاهم والصداقة بينهما" فى حين ان بريطانيا
اعتبرت ان تلك الزيارة خروج عن السياسة المرسومة فاضطرته حكومته الى الاستقالة فى
عام 1926. ليخلفه سير" جون مفى"حاكما عاما على السودان الى ان تم نقله عام
.1934
وما ان هل العام الدراسى1947ولم يكن قد مضى الآ عام واحد على انتقال طلاب وادى سيدنا الى صرحهم الكبيرفى يناير1946ولم تكن هى الا اشهر لم تتعدالخمسة على انتقال وصفائهم الحنتوبيين الى"عمارتهم"قبالة ودمدنى على الضفة الشرقية من النيل الأأزرق والتى كانت لا تزال بعض اجزاء من مبانى داخلياتاتها ومنازل معلميها وبعض مرافقها الاخرى فى مراحل "التشطيب" الا ورشحت الانباءعن دخول طلاب وادى سيدنا فى اول تجربة توقف عن الدراسة "اضراب"لهم فى الصرح الجديد..كان من بين ما ورد من اسبابذلك الاضراب هو اصرارادارة المدرسه على بقاء اسماء الحكام البريطانيين الخمسه اسماء للداخليات والابقاء على اسماء الفصول على ما كانت عليه فى كلية غردون فى حين كانت قد تمت تسمية داخليات حنتوب منذ البدايه باسماء مشاهيرمن السودانيين فضلاعن اطلاق اسماء بعض المفكرين وغيرهم على فصول المدرسه. بطبيعة الحال ودون الدخول فى تفاصيل سيرد ذكرها لاحقا تظهر بجلاء شخصية المسترلويس براون – ناظرحنتوب– وطريقة ادارته لمملكته حنتوب(كما كان يردد كا حين وهو مزهوببقائه فيها لفترة زمنية لم تتح لأى من نظارالمدارس من قبله اوبعده فى حنتوب او فى غيرها من المدارس.فقد بقى براون فى حنتوب مدة تسع سنوات متصلة قضاها فى اتفاق كامل وتعاون تام مع من كانوا حوله من زملائه المعلمين ولعله كان منذ البدايه وعلى مرالزمان مضرب المثل فى تقديره واحترامه لكل ما كان يبديه المعلمون من مقترحات ووجهات نظرفى كل ما كان له من صلات وعلاقات من بعيد او قريب بمسارالعملية التعليمىة والتربوىة فى حنتوب..
فى
نهاية المطاف كان لطلاب وادى سيدنا ما ارادوا وتم استبدال اسماء الحكام البريطانيين
الخمسة باسماء لمشاهيرالابطال والقاده العظام فى تاريخ السودان والعالم الاسلامى..هم:
(جماع..ابوقرجه.. المختار..الداخل واخيرا وليس آخرا ودالبدوى.وقبل بضع سنين قبل ان
يميل ميزان المدرسة وتغرب شمسها كصرح تربوى فى مقدمة صروح التعليم الثانوى فى
السودان وجد اسم معلم الاجيال الشيخ بابكر بدرى طريقه ليكون اسما لأحدى الداخليات
الست.. الى ان عادت مدرسة وادى سيدنا مرّة اخرى فى عام 1969بعد 23عاما قضاها
ابناؤها فى مبانيها الجميلة وبين ميادينها الخضراء شمالى مدينة امدرمان ..عادت الى
آخرموقع خرج منه طلابها وهم يطيرون فرحا ويفيضون تفاؤلا فى يناير1946ميممين شطرذلك
المكان الساحرالذى تغنى بسحره المبدعون(فى الوادى يا حبّان ساهرتو بينا)
ليواصل العائدون من وادى سيدنا (ألأصل) دراستهم فى مبانى
مدرسة ام درمان التجارية الثانوية الصغرى التى انتقلت الى ثكنات الجيش البريطانى
غربى مبانى وزارة المعارف على شاطىء النيل الازرق بالخرطوم عام .1958
ونواصل !!!
تنويه إلى أن ضياغة مثل هذه المقالات لأعتقادنا بأنها من الأهمية بمكان وبحيث أن كثيرا منا لا يقرأ كل ما ينشر من وسائل النشر السودانية إلا إذا جاءت من الخارج !!!
لقد ابدعت أستاذنا الطيب السلاوى فى هذا السرد التاريخى والوقفات المشرقة وإن دل على شىء إنما يدل على صادق مشاعرك نحو النهوض بالسودان بقصد اللحاق بركب الحضارات !!! فهل أنت معى !!!
(الحلقة الثانية)
لقد أبدع مداد قلم أستاذنا المبدع الطيب السلاوى حين أنسكب على هذه اللوحات التاريخ السودان الغير مكتوب إلا فى ذاكرة من عاشوا تلك الفترات من التاريخ الجميل فأنفرد بهذه اللوحة التاريخية قائلاً : ـ
وانطلاقا مما تقدم عن اضراب طلاب مدرسة وادى سيدنا وما تمخض عنه من رضوخ مستر لانق – ناظر المدرسة-لمقترح تعديل اسماء الداخليات من اسماء الحكام الانجليز الى اسماء سودانية وعربية اسلامية..نعود الى تذكارما كان عليه الامر فى حنتوب من بداية عهدها فى ذلك المنحى. فقد تم اطلاق اسماء للمشاهيرمن السودانيين على الست داخليات الاوائل وتواصل ذات النهج على مرالايام. كلما زاد . عدد المقبولين فى حنتوب واضحت الحاجة ماسة لبناء المزيد من مواقع السكن للطلاب وبتواصل اطلاق الاسماءالسودانية عليها. عند التحاقنا بها فى بداية عام 1949 وجدناعدد الداخليات قد ارتفع الى ثمان لتبلغ العشر فى بداية الستينات من القرن العشرين .
وباعتبارما كان من الحروف الاولى
ألابجدية الانجليزية لما توافقت ادارة المدرسة والمعلمون من اسماء اطلقت على
داخليات حنتوب فقد كان اسم "ابو عنجه "
ياتى فى المقدمة . تم اطلاق اسم"ابوعنجه"على موقع سكن الطلاب
ذاك تخليدا لذكرى القائد الفذ "حمدان احمد سعد الدين ابوعاشه".الاسم:" ابوعنجه" كان
لقبا للامير حمدان مستمدا من اسم "عنجه" وهو اسم تدليل (دلع) لكبرى بناته ام كلثوم
التى تزوجها الامير يونس الدكيم. وكان الاميرحمدان ابو عنجه من اوائل من بايعوا
الامام المهدى فى"قدير"ومن القادة العسكريين الذين ابلوا بلاء حسنا فى اشهر معارك
االمهدىة .. فى شيكان ..الابيض وسقوط الخرطوم فى يناير1885.وجاء فى الخبران خور
ابوعنجه"الشهيربامدرمان الذى ياتى بالسيول من جبال المرخيات فى غرب امدرمان مارا
بابى سعد والعباسيه الى ان تصب مياهه فى النيل اخذ اسمه من القائد "ابوعنجه" الذى
كان يرابط بجنوده فى تلك المنطقه الى ان سيطرت جيوش المهديه على مدينة امدرمان.كما
كان له من البلاءالحسن المتميزفى الجبهة الشرقية حيث تم منحه الامارة بعد ان كان قد
نال رضا الامام المهدى قبل وفاته وحظى بثقة
الخليفة من بعده. توفى الامير
ابوعنجه فى التاسع والعشرين من يناير1889ومن بعده تولى القيادة فى مناطق شرق
السودان الزاكى طمل
تم اسناد الاشراف(التيوترية)على
داخلية"ابوعنجه"منذ بداية الدراسة فى حنتوب فى اكتوبر1946 للمسترهوبسون معلم
الرياضيات الفريد الذى احب السودان واهله ايما حب واوفى لأبنائهم وفاءا منقطع
النظير.كان يجيد التحدث باللهجة السودانيه لم يبق طويلا فى حنتوب اذتم نقله الى
معهد التربية فى بخت الرضا فى نهاية التيرم الاول من العام الدراسى فى مايو1949 حيث
بقى فى بخت الرضا سنين عددا لعلها فاقت السبع سنوات ليعود فى زيارة للسودان فى عام
1959 ايان احتفال وزارة المعارف باليوبيل الفضى للمعهد العريق. سعدنا مع نفرمن رفاق
الدرب من طلابه بلقائه وقد بلغت سعادته قمتها بتلك الزيارة الى دعى لها مع المستر
براون وكان دائم الحديث عن ايامه فى حنتوب وفى بخت الرضا مستعيدا ذكرياته عن انحاء
السودان المختلفة التى زارها متفقدا وموجها معلمى الرياضيات فى المدارس الوسطى فى
اطار مهامه فى المعهد العريق. وتشاء الاقداربدلا ان ياتى بنفسه الى بخت الرضا لحضور
العيد الذهبى فى اكتوبر 1984 جاء
رماد جسده فى صندوق حمله الملحق الثقافى الاستاذ ابراهيم نور فى ايام احتفلات وزارة
التربية والتعليم بالعيد الذهبى للمعهد العريق ليتم دفنه فى ركن من اركان المنزل
الذى كان يقيم فيه المسترهوبسون ابان فترة عمله فى بخت الرضا!!
عند انتقال المستر هوبسون الى بخت الرضا خلفه الشيخ محمد الخاتم عثمان على "تيوترية" الداخلية ليتولى مهامها الاستاذ هاشم ضيف الله فى عام 1952 عند انتفال الشيخ الخاتم الى مدرسة البنات للثانوية بامدرمان (هل من يواصل تذكار منظومة من تعاقبوا عبى تيوترية داخلية ابوعنجه عندما صار الاستاذ هاشم (رحمه الله) نائبا للناظر(لاستاذ ألأجيال المرحوم احمد بشير العبادى .. عليه فيض من رحمة الله) فى عام1955– 1956.
فى الفترة بين 1949 و1952 اقام فى "ابو
عنجه " من "الهاوسماسترز" معلمان من من معلمى مادة العلوم (رحمهما الله)اولهما كان
محمد افندى عبدالله ابراهيم الذى لم يبق طويلا بيننا اذغادرحنتوب الى بريطانيا فى
بعثة دراسية فى الشهورالاولى من عام 1949 ليخلفه ابراهيم افندى مصطفى الذى بقى فى
حنتوب الى 1955 ليذهب مبتعثا الى بريطانيا ولما عاد فى نهايتها وجد نفسه منقولا الى
مدرسة رمبيك الثانويه التى كان طلابها فى ذلك الزمان قد تم انتقالهم لمواصلة
دراستهم فى ثكنات الجيش البريطانى بالخرطوم الى ان تمت اعادتهم الى مدرستهم فى جنوب
السودان بعد ان استتب الامن وعادت الحياة الى طبيعتها فى مديرية بحرالغزال بعد
حوادث التمرد التى عمت المديريات الجنوبيه وهزت السودان باكمله فى اغسطس سنة1955
.
عند نهاية الحصة التانيه من
يومنا الدراسى الاول فى الثانى من فبراير 1949 وما ان انتظم عقدنا وعلى النجيلة
جلسنا مستقبلين مسرح المدرسة المفتوح الواقع بين "البرج" جنوبا وقاعة ألأجتماعات
شمالا الآ وشهدنا المستر براون يخرج من مكتبه مرتدىا رداءا قصيرا مصنوعا من قماش من
القطن المغزول يعرف باسم "الدمور" وقميص ابيض اللون قصير الاكمام وينتعل "صندلا" من
الجلد بنى اللون وهويسير نحومنصة الحديث على المسرح يتقدمه واحد من الطلاب يبدوعليه
الوقاروالهيبه مرتديا الزي ا المدرسى المكون من القميص الابيض ذى الاكمام القصيرة
المحشوة اطرافه السفلى داخل ردائه المصنوع من قماش" الكاكى" وينتعل
"صندلا"بنيا شبيها بما كان ينتعله
المستربراون.وقبل ان يصعد المستربراون الى المسرح اتجه الطالب يسارا الى جهة
الميدان الغربى ليجد موقعا لجلوسه بين زملائه على واحدة من "الكنبات" الخشبيه التى
كانت تحيط بميدانى الاجتماع الغربى والشرقى.
اعتلى المستر براون منصة الحديث
وشكر الطالب الذى كان يتقدمه نحو المسرح ذاكرا اسمه ومعلنا تكليفه بمواصلته مهامه
كرئيس للرؤساء (هيد بريفيكت)
اثناء الاسبوع التالى الذى ينتهى مساء الجمعة الحادى عشر من فبراير ليتولى تلك
المهام من بعده الرئيس الاول لداخلية "ابو لكيلك" التى تلى داخلية "ابو عنجه" فى
ترتيب الاحرف الاولى ابجدىا حسب توالى اسماء الداخليات. وما ان انتهى ذلك الاجتماع
بما فيه من ترحاب بطلاب السنة الاولى الحنتوبيين ومن كانو ضيوفا على حنتوب خلال ذلك
العام الى حين انتقالهم الى"عمارتهم" التى كانت فى طورالانشاء سبعة اميال شرقى
مدينة الابيض فى مديرية كردفان والتى كان متوقعا ومعروفا بداية الدراسة فيها فى
يناير 1950 .وفى طريقنا الى قاعة الطعام عرفنا ممن تقدمونا فى الدراسة مزيدا من
المعلومات عمن كان يتقدم مسارالمستر براون الى المسرح قبيل بداية الاجتماع..عرفنا
اسمه " الحلو عبدالله الحلو"الرئيس الاول لداخلية "ابوعنجه" فكان هو اول من عرفنا
من ساكنيها. بمرور الزمان تبين لنا الحلوكان بحق وحقيق اسما على مسمى ..حلو حديث
ومعشر.فى ادب جم وعلى خلق عظيم. عف اللسان. كان من المتقدمين فى دراستهم ومن
امهرالمبدعين فى اعمال الرسم اذ ان لوحة تشييع الجنازه التى قام برسمها ملوّنة
اظهرت ما كان لديه من مواهب الابداع فقد كانت من اللوحات الخالدات من بين اعماله
ورسومات زملائه المبدعين اصحاب الخيال والابداع من طلاب حنتوب ذلك الزمان الجميل.
كنت اسعد بلقائه فى مدينة ودمدنى ابان فترة عملى ناظرا لمدرسة البنات الثانويه وكان
هو يقود فؤيق الباحثين الزراعيين فى مجمع الابحاث الزراعيه الذى كان يعرف باسم
"التجارب"الكائن على مسافة ميلين عربى مدينة ودمدنى..وكنا نجتر كثيرا من ذكريات"
ذلك الماضى الذى كان لنا وكانت منه تنساب المنى نحو سودان جديد" حسبما كان قد نظم
استاذنا الراحل سعد الدين فوزى فى بداية اربعينات القرن العشرين.. رحم الله استاذنا
سعدا واخانا الحلو عبدالله فى اعلى عليين وجعل الفردوس ألأعلى مقرا لهما ومقاماز
فى الحلقة التالية يتواصل الجديث
عن الاسماء الحنتوبية وعن >اخلية
"ابو عنجه" فتكرموا بالبقاء معنا.
اسماء حنتوبية فى الذاكرة (3)
وما ان طلع النهاروبدات الرؤية تتضح
شيئا فشيئا بلقاء رفاقنا فى فصل سنه اولى كولمبس ومن سبقونا من قدامى زملائنا فى
مدرسة مدنى الاهلية الوسطى فى تالته ماجلان بدات حصيلتنا من المعلومات تزداد ودائرة
معرفتنا تتسع وتنداح. فوصل الى
سمعنا اسم "جعفرنميرى" الرئيس الثانى لداخلية ابوعنجه وكابتن الفريق الاول. اسم
جعفر نميرى وشخصه لم يكونا غرييبن علىّ فقد عرفتهما زمانا والتقيت الرجل مرارا قبل
قدومى الى حنتوب دارسا. فقد كانت اسرته تقيم على مسافة لا تزيد عن المئتين من
الامتارشرقى دياراهلنا"السلاويه"على شارع ودالبصيرفى حى ودنوباوى بمدينة امدرمان.
ومهما اختلف الراى حوله عندما صارحاكما للسودان فالذى لاشك فيه فانه كانت لحعفر
شخصية كاريزمية منذ صباه الباكر كما كان من المحببين لشباب الحى قاطبة اذ كان ما ان
يحل بين اهله فى امدرمان الا ونشهد ومنذ الصباح الباكراعدادا من شباب الحى ممن
كانوا فى سنه متحلقين حوله وهم فى فرح غامر بعودته . لن انسى التفافهم وقوفا من
حوله وهويجلس على دكة من الصخر كانت معلما فى ركن من اركان احد المنازل على شارع ود
البصير وهم يستمعون اليه فى اعجاب بائن وهو يبادلهم التعليقات الساخره والنكات فى
غيرما ابتذال او اسفاف مرددا من حين لآخر بعض العبارات والكلمات التى عرفت عنه
واشتهربها اذا ما سمع من اى واحد من جلسائه قولا خارجاعن حدود الادب والذوق الرفيع.
فتنطلق من لسانه وفى صيغة آمرة ناهيه:"حسّا اقوم العن ابو خاشك". ويواصل احاديثه من
اخبارودمدنى وحنتوب الكثيرالوفيرويضحك من اعماقه فى براءة وطيبة نفس.يبادله نفرمن
ابناء الحى العريق ممن كانوا طلابا فى وادى سيدنا كان من بينهم مستشاره الاقتصادى
لاحقا ابام ثورة"مايو الظافرة" الطالب احمد محمد سعيد ألأسد( متعه الله بالمزيد من
الصحة والعافيه وهو يقيم فى الولايات المتحدة الامريكيه) وهو يروى كذلك عما كان
يجرى فى مجتمع الوادى الاخضرمن احداث واخبار ويحتدم الجدال احياناعند المقارنة بين
المستر براون - ناظرحنتوب الفذ وعن شعبيىته ومشاركته طلابه الكثيرمن اوجه حياتهم
اليومية وتناوله وجبة الغداء معهم فضلا عن نشاطه الرياضى اليومى متعدد الانماط وبين
المستر"لآنق- هيدماستر وادى سيدنا" المتعالى المتغطرس الارستقراطى النشأة والتوجه.
واقع الامر ا"اقام فى داخلية "ابوعنجه"
الوان الطيف من الطلاب اشتهرت اسماؤهم فى لواحق الازمان. ياسيون يمينيون
يساريون..عسكريون..رياضيون..حمائم وصقور(كما كان يطلق الدكتور موسى عبدالله حامد
على بعض من رفاق دربه فى اميرية امدرمان الوسطى او فى عمارة الخورالخصيب) كان ذلك
المزيج او بعضا منه سمة غالبة فى كل داخليات حنتوب ولكن يقينى داخلية ابوعنجه جمعت
فاوعت من خيار الطلاب واكرمهم من كل فج عميق.. من دفعة الحلو ونميرى رحمهما الله فى
الفردوس الاعلى.. كان من النطاسيين البارعين الذين ذاع صيتهم ..الدكتورعلى فضل –
مدير جامعة الخرطوم فى عهد من عهودها الزاهيه.. متعه الله بالمزيد من الصحة
والعافيه..خفيف الظل والروح الضاحك الممراح الذى يفيض تواضعاوشفافية وكان هناك
المرحوم طبيب الاسنان بابكرسليم الذى كان قد اجاد وابدع مع زميليه العزيزين
الراحلين بابكر على التوم ومحمد الحسن الفاضل للمعروف بأسم "حزمر" تمثيل
دورالساحرات الثلاث فى رواية مكبث على مسرح حنتوب عام1949 . كما لا بد لنا ان
نذكربين هذه الكوكبة من كرام الطلاب المرحوم بدرالدين يوسف هبانى. وسالم يعقوب
باوزير الحضرمى الجنسيه الذى كان لا ينطق الآ بالفصحى من لغة الضاد فى نومه وصحيانه
وفى ظعنه وقراره.وتشاء الاقدارفى اول امتحان "اربعاء" فى اللغة العربيه لم
يحرزالعربى الاصيل(سالم) من الدرجات الا ما كان يطلق عليه فى ذلك الزمان
(مرور"نجاح" بالدبوس) فعاب عليه رفاقه عدم تفوقه فى ذلك الامتحان فاجابهم قائلا
"صحيح كدت ارسب رغم سهولة الاسئلة,, ولكن لا تنسوا فان مكتبتى –الحمدلله- بكتب
اللغة العربيه عامرة!" من الاطباء فى داخلية ابوعنجه الذين بزغ نجمهم فى لاحق
السنين كان الدكتور الجزولى دفع الله..
رئيس وزراء السودان اثناء الفترة الانتقاليه التى اعقبت العهد
المايوى.كما كان كان من رفاقه الدكتورعمرامام حاج عمر(متعهما الله بالمزيد من
العافيه)
فى بلاط الدبلوماسيه والسلطة استوزارا كان لداخلية ابو عنجه نصيب فى اقامة ألأديبين ألأريببين كريمى النسب وماجدى ألأعراق الكاتبين ألأخوين ابوبكر عثمان محمد صالح الذى بدأ حياته معلما فى الخور الخصيب,, وزميله الذى بزغ نجمه ايضا فى بلاط الدبلوماسية من بعد بلاء متميز فى مجال الزراعة رفيق الدرب منذ ايام مدرسة مدنى الاهلية الاولية والوسطى السفير الامين عبداللطيف.
اماالذين كادوا ان يكونوا من اولى العزم من الرسل والذين قيل ان آثارهم تبقى فى ابعاد اللانهائيه واغوارالابديه هم الذين "خرج من معاطفهم ألأطباء المداوون جراح الناس والجراح كثار والمهندسون الذين يبتنون امجادا يرتجيها الاعمار الى جانب الرؤساء والوزراء ورفاقهم من المعتمدين ورجال المحليات فضلا عن الصحفيين الذين يتدافعون مع "التيار" ويدافعون ولا تزال معاطف المعلمين مليئة تفيض مشاتلا وابذار".. رحم الله من انتقل منهم الى رحاب ربه يجنى الخلد والاجر.كان منهم عثمان عبد الرحيم.."ابن حنتوب البار..ومعلم اللغة ألأنجليزية فيها.. وكان معلم الجغرافيا الفريد ,,المصرى مصطفى (رحمة الله عليهم) ومد الله فى ايام من لا يزالون ينتظرون ومتعهم الله بالمزيد من الصحة والعافيه وجعل بينهم وبين اعراض "المابداوى"من الفراسخ والاميال ما يوجب عليهم قصر الصلوات واشباع شهوة البطن فى نهار رمضان . فى مقدمتهم كان ألأخ الكريم ابو بكرعثمان محمد صالح كما ذكرت سابقا فى بدايات تخرجه فى جامعة الخرطوم . ولا بد ان نذكر بين هذا الخضم الزاخرمن المعلمين ألأخ الكريم استاذ الاجيال عوض ادريس حياه الله وبياه فى حله وترحاله بين مدينة النور"باريس"وبين القطينة مركز الاشعاع المعرفى وبين الخرطوم"عاصمة التوجه الحضارى"ولا ا بد لنا ان نذكربين المعلمين اخانا عبدالله زكريا (اول دفعتو فى حنتوب) المعلم فى سوابق العصور وسوالف القرون قبل ان يصيب اقدارا من الشهرة فى آفاق السياسة الداخلية وعوالمها الخارجية ..وكان من هرلاء واولئك المعلم عوض مصطفى كابتن الفريق الاول عام 1952من قادة تلك المنظومة من معلمى المرحلة الوسطى ..كيف ننسى تذكارالعميد عبد الباقى محمد احمد (الملقب ب"الشيخ" رجل رفاعه المغوار) الذى لا يرى راكبا.لا "تنكا" ولا دابة فى تجواله الدائم من اقاصى غرب المدينة الى شرقيها- معلم الرياضيات فى الخصيب وفى كلية معلمات الدامركان هوالعمادالقائد مسيرة الاعداد والتدريب وهو الذى نسى (اوربما انسى تذكار) فقرة افتتاح برنامج الاحتفال باحد اعياد الصرح الكبيرعام 1982(ان لم تخنى الذاكرة) لتحل بدلها اغنية "اروينى من ريدك"لتكون خاتمة لبرنامج ذلك الحفل الجميل الذى دعى له كبارقادة التعليم وما كانت الاغنية تلك الآ لسد الفجوة التى نتجت عن نسيان الفقرة الافتتاحية الاولى المتصدرة قمة برنامج الاحتفال ..
من رؤساء داخلية ابوعنجه كان المرحوم المهندس معاوية عبدالعزيز( رحمه الله) ومحمدعلى حسنى واحمد عبالرحمن آدم رجال (فى 1950) والمرحوم عبدالله حسن (رحمة الله عليه) وعوض ادريس وعثمان صالح( فى عام 1951 ) اما فى عام 1952 فقدكان المرحوم المصرى مصطفى كبير معلمى الجغرافيا (عليه فيض من رحمة الله) وعبدالواحد عثمان علم الدين وعوض مصطفى(1952).. من الذين خاضوا غمار السياسة من ساكنى "ابوعنجه" بزغ نجم زعيم الحزب الشيوعى(فى لاحق من الزمان) محمد ابراهيم نقد الذى كان صديقا حميما لرئيس الداخلية جعفر نميرى وقد ظل الرجلان يقيمان معا فى الغرفة العامة (الكومون روم) حتى بعد اختيار نميرى رئسا للداخليه.. كما اقام فى "ابوعنجه"فى الطرف ألآخرمن التوجه السياسى (الاسلامى) الشيخ الجليل جعفر شيخ ادريس (شفاه الله وعافاه) يتقدمه بعامين دراسيين الشخ حسن الترابى(الشيخان غنيان عن اى تعريف ومتعهما الله بالصحة والعافيه) فضلاعن الدكتور(لاحقا)المرحوم عمر محمد نور نورالدائم والخطيب الكبيرالمفوه عبدالمنعم مصطفى المحامى (عليهما فيض من رحمة الله)وكان هناك بين طلاب ابوعنجه المغاويرالاقتصادى المتمكن ورجل الاعمال ابراهيم منعم منصور.. الرجل القامه الذى كان عدم اختياره رئيسا للداخلية امرا عجبا!! وقائمة من سمقوا وعلا ذدرهم فى ارجاء "ابو عنجه" وفى فضاء حنتوب العريض تطول واختمها بتذكارالراحل المقيم الخبير الزراعى الكبيروالكاتب المتفرد المرحوم "على التوم" صاحب وكاتب وناسخ الجريدة الحائطيه التى اطلق عليها اسم "الجامعه" والتى كانت بحق جامعةلكل ما هو شائق وجاذب ولكل الوان الطيف من طلاب حنتوب.
تنويه إلى أن ضياغة مثل هذه المقالات لأعتقادنا بأنها من الأهمية بمكان وبحيث أن كثيرا منا لا يقرأ كل ما ينشر من وسائل النشر السودانية إلا إذا جاءت من الخارج !!!
لقد ابدعت أستاذنا الطيب السلاوى فى هذا السرد التاريخى والوقفات المشرقة وإن دل على شىء إنما يدل على صادق مشاعرك نحو النهوض بالسودان بقصد اللحاق بركب الحضارات !!! فهل أنت معى !!!