طريق قليوب والكوميديا السوداء
محمود القاعود
فى زمن انقلبت فيه الأوضاع .. وفى زمن تسيد فيه العبث .. توقع أى شئ مهما كان هذا الشئ .. حتى أضحت الكوميديا السوداء تتوارى خجلا من المهازل المروعة التى تحدث فى مصر منذ الانقلاب الصليبي النازي المجرم فى 3 يوليو 2013م ..
وإن تتبعنا بعض هذه الأمور العبثية .. ستجد أن قائد الانقلاب الخائن قام بالانقلاب لأجل ما يُسميه " منع الحرب الأهلية" ! رغم أنه هو الذى أشعل الحرب الأهلية بانقلابه وأزكي روح الفرقة والشقاق والانتقام والكراهية وقسم المصريين إلى شعبين ، ومارس التطهير العرقي بحق مكون أصيل ورئيسي من الشعب " جماعة الإخوان المسلمين" وأعلن بكل وقاحة وتبجح أنه سيقضي على الإخوان !
وأعلن أنه قام بهذا الانقلاب الغادر الغشوم ضد فخامة الرئيس محمد مرسي – فك الله أسره - من أجل إجراء انتخابات رئاسية تعددية مبكرة ! ثم يجري المسرحية الهزلية التى أسماها "الانتخابات" عقب عام كامل لينصب نفسه رئيساً على جماجم الشعب المصري ..
كذلك أعلن صراحة الغرض الرئيسي من انقلابه حيث قال أن الرئيس مرسي كان يسعي لعمل خلافة إسلامية ، وكأن الخلافة جريمة تستحق إقامة المحارق وترويع المسلمين والقيام بانقلاب دموي فاشي !
أعمل قائد الانقلاب القتل والترويع والاعتقال ثم يخرج متنطعا ويقول أنه لا يسمح بترويع المصريين ! يقتل زبانيته آلاف المصريين ثم يدعى " تنقطع ايدينا قبل ما تمس حد فيكم" ! وفى رواية أخري " إنتو مش عارفين إن إنتو نور عنينا ولا إيه " !
ثم تكون المساخر غير المسبوقة فى التاريخ باعتقال فتيات بتهمة ارتداء دبوس يحمل شعار رابعة العدوية ! واعقتال طالبات بتهمة حيازة بالون عليه شعار رابعة ..ومسطرة عليها ذات الشعار ! واعتقال أطفال بل رضع .. واعتقال سيدة فى حالة نفاس بزعم أنها كانت تصور لجان الإفك الخاوية فى مسرحية العبث المسماة "انتخابات الرئاسة" ! ووضع الكلابشات فى أيدي امرأة تضع مولودها بالمستشفي لأنها ضد الانقلاب المجرم ..
وتأتى المضحكات المبكيات باعتقال علماء الأمة والزج بهم فى السجون بتهم مجنونة وسفيهة .. مثل تلك التهم العبثية الموجهة لفضيلة المرشد الأستاذ الدكتور محمد بديع أحد أفضل علماء العرب فى تخصصه والعالم الربانى الوقور ، واتهامه باقتحام أقسام شرطة وقطع طرق وإصدار احكام إعدام ضده فى هذه التهم المضحكة المقززة !! واتهام أساتذة جامعات وعلماء دين وأطباء ومهندسين بتشكيل " عصابة" لقلب نظام الحكم !!
العصابة التى قامت بالانقلاب تتهم علماء الأمة بتشكيل " عصابة" لقلب نظام حكم الانقلاب الدموي ! ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل تعداه إلى تلفيق اتهامات لعلماء بتهمة قطع طريق قليوب ومن ثم الحكم عليهم بالإعدام !
وطريق قليوب قُطع عشرات المرات لم نسمع أنه قد حوكم بسبب قطعه أحد .. بل كانت الشرطة مختفية تماما طوال حكم الرئيس مرسي .. وأذكر أن الطريق قُطع ذات مرة عند قليوب فتوقفنا لمدة خمس ساعات عند طوخ ولما وصلنا إلى قليوب وجدنا مجموعة من البلطجية يشعلون الإطارات والكاوتش ويضعون جذوع النخل وسألنا عن سبب قطع الطريق فرد بعض الأهالى بأن هناك فتاة هربت مع عشيقها أو جارها ! كان هذا قبل الانقلاب بنحو شهر ، ومع ذلك لم يُحاكم أحد .. ومن قبل لم تحاكم ميليشات "البلاك بلوك" التى قطعت المترو عدة مرات وأغلقت ميدان التحرير .. ولم يُحاكم بلطجية ساويرس الذين حاصروا فندق سميراميس وحطموا واجهته ونهبوا محتوياته .. بل لم يُحاكم بلطجية الانقلابيين الذين أشعلوا عشرات المقرات للإخوان وسلبوا محتوياتها وكذلك مقرات الحرية والعدالة .. حتى النباتات لم تسلم من إجرامهم يوم اقتحامهم لمكتب الإرشاد بالمقطم .. وهو ما دفع فضيلة المرشد ليتكلم بأدبه المعهود ويوجه سؤاله لهؤلاء الفجرة القتلة : ما ذنب النباتات لتحطموها ؟ وهو ما يشعرك بأن هذا العالم الرباني يهتم بالروح ويُقدسها حتى روح النبات .. إلا أن الأوغاد سخروا منه .. كما هى عادة السخرية من قِبل المجرمين ضد المصلحين فى كل زمان ومكان ..
لم يُحاكم أحد من الذين قتلوا شباب الإخوان عند الاتحادية وأمام مقر مكتب الإرشاد .. لم يُحاكم من حاصروا المصلين فى القائد إبراهيم ومسجد الجمعية الشرعية بالمنصورة ومسجد الفتح .. ومن دهسوا الثوار بالسيارات .. ومن أحرقوا الناس فى محلاتهم وسلبوا محتوياتها لأنهم إخوان ..
المدهش أن العصابة التى فرضت حظر التجوال وقطعت الطرق وأوقفت حركة القطارات عقب الانقلاب الدموي.. تقضي بإعدام علماء فى السبعين من عمرهم بزعم أنهم قطعوا طريق قليوب الذى أكاد أجزم أن بعضهم لم يمروا عليه إلا أثناء ذهابهم الوجه البحري لمناقشة رسالة دكتوراه أو القاء محاضرة دعوية ..
إن هذه الأحكام تخرج من نطاق الكوميديا السوداء لتثبت أن هناك استهدافا لعلماء الإسلام .. وتثبت أن قائد الانقلاب يدفع فاتورة تأييد الكنيسة للانقلاب بتقديم رؤوس علماء الإسلام قربانا لتواضروس .. أليس تواضروس هو الذى قال عن دستور العار فى الدعوة لتأييده : نعم تُزيد النعم ؟ أليست الكنيسة هى التى أمرت رعاياها وقالت لهم " يسوع يدعوك لتأييد السيسي " ؟
برغم عبثية وسوداوية المشهد .. إلا أننا نثق فى عدالة الحق سبحانه وتعالى " وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ " ( إبراهيم : 42 – 43 ).