تركية.. النصير الشامخ للسوريين، في عصر الخذلان
لقد ثار الشعب السوريّ الأبيّ على نظام الاستبداد والظلم والاستعباد، ولم يكن يعلم أنّ هذا النظام المجرم لن يتورّع عن التنكيل بالملايين من أبنائه وبناته وأطفاله، بقتلهم، وتعذيبهم، وتهجيرهم، وإهلاك حَرثهم ونَسلهم..
ثار السوريون على نظام الطغيان، ولم يَدُر في خلدهم، أنّ العالم سيخذلهم، وأنّ ثورة الحرية والكرامة، ستفضح ما يُسمى بـ (العالَم الحرّ)، الذي وقف صامتاً متواطئاً، متنكِّراً لكل المبادئ الأخلاقية والإنسانية وحقوق الإنسان، خاذلاً أعظم ثورةٍ على الاضطهاد في التاريخ!..
لكنّ الشقيقة تركية، حكومةً وشعباً.. كان لها رأي آخر، وسلوك حضاريٌّ إنسانيٌّ، غير سلوك الخاذلين المتنكِّرين.
* * *
حين صارت سورية -وطناً وشعباً- دمعةً حزينة، وشلالَ دمٍ مسفوح، وأنّات ثكالى يرتدّ صداها من السماء السابعة، وكرامةً إنسانيةً مهدورة، وقوتاً مغمَّساً بالدم والذلّ، وهائمين على وجوههم ينشدون الأمن والأمان.. حين صارت سورية كذلك، فإنّ تركية كانت الأمّ الرؤوم للسوريين، تمسح دمعتهم، وتواسي نفوسهم، وتجبر خواطرهم، وترتق جراحهم، وتؤوي مهجَّريهم، وتحتضن ثورتهم وثائريهم..!..
حين نزف السوريون، أصيبت تركية بأوجاع فقر الدم.. وحين تألّم السوريون، تأوّهت تركية.. وحين فقد الشعب السوريّ وطنه الآمن المطمئنّ، كانت تركية له الملاذَ الطيب، واليد الحانية، والصدر الحنون، والحضن الدافئ.. وحين أقفل اللئام أبوابهم الفولاذية بوجه السوريين، سارت تركية على سياسة الأبواب المفتوحة المشرعة تجاههم، بلا حدود.. وحين أوغل الطغاة والبغاة والمتواطئون والخاذلون.. في الدم السوريّ.. صرخت تركية، غضباً ونصرةً للسوريين، بكل إمكاناتها الاقتصادية والسياسية والأمنية والجغرافية واللوجستية..!.
* * *
منذ اندلاع ثورة الحرية والكرامة، احتضنت تركية هذه الثورة المباركة، بروّادها، ورجالها، ونسائها، في كل مراحلها وسنواتها الخمس الدامية المنصرمة، فانعقدت المؤتمرات السياسية والثورية على الأرض التركية، وتشكّلت المجالس والهيئات السياسية والوطنية السورية، ونضجت القيادات الثورية والسياسية والاجتماعية والإدارية.. فمن المؤتمر السوري للتغيير في أنطاليا (31 آذار 2011م).. إلى مؤتمر العلماء المسلمين لنصرة الشعب السوريّ (12 تموز 2011م).. إلى مؤتمر الإنقاذ الوطنيّ (16 تموز 2011م).. إلى تأسيس المجلس الوطنيّ السوريّ (2 تشرين الأول 2011م).. إلى المؤتمر التأسيسيّ لاتحاد منظمات المجتمع المدنيّ (12 كانون الثاني 2012م).. إلى مؤتمر المعارضة السورية للتوقيع على ميثاق مستقبل سورية (27 آذار 2012م) في إستانبول.. إلى المؤتمر التأسيسيّ لمنظومة وطن (14 حزيران 2012م).. إلى مؤتمر مجالس الإدارة المدنية (7 كانون الأول 2012م).. إلى تشكيل الحكومة السورية المؤقتة-هيتو (19 آذار 2013م)، ثم حكومة طعمة (12 تشرين الثاني 2013م).. إلى المؤتمر التأسيسيّ للمجلس الإسلاميّ السوريّ (14 نيسان 2014م).. إلى مؤتمرات الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.. وعشرات المؤتمرات والندوات والملتقيات السياسية والثورية والطبية والاجتماعية والتعليمية وحقوق الإنسان..و.. التي احتضنتها تركية الشقيقة.
* * *
مَن أراد أن يستوعب الفضل العظيم لتركية –حكومةً وشعباً- على الشعب السوريّ الذي يتعرَّض لكل أشكال القهر والخذلان.. عليه أن يسأل نفسه: لو لم تقم تركية بما تقوم به من دعمٍ بكل أشكاله للثورة السورية، فكيف سيكون عليه حال السوريين اليوم؟!..
مَن يرغب بمعرفة عمق الالتزام الأخلاقيّ التركيّ تجاه السوريين في محنتهم، عليه أن يتأمّل ويتدبّر بسلوك ما يُسمى بـ (العالَم الحرّ) تجاههم، فقد ناءت أكثر من خمسٍ وعشرين دولةً تتغنى بحقوق الإنسان، بما لا يزيد على عشرات الآلاف من المهجَّرين السوريين الفارّين من جحيم العصابة الأسدية وحلفائها!.. بينما تركية، رحّبت بثلاثة ملايين سوريٍّ مضهَد، واعتبرتهم ضيوفاً، وأشرعت لهم أبواب العمل والتعلّم والتعليم الجامعيّ، وامتلاك أسباب الحياة الكريمة التي تليق بالإنسان الذي كرّمه الله عزّ وجلّ، فأكرمته تركية الكريمة!..
تركية الحديثة، بزعامة الرئيس الطاهر الطيب (أردوغان).. لقّنت المنافقين في ما يسمى بـ (العالَم الحرّ) ألِف باء الحضارة الإنسانية الحقة، التي يتشدّقون بها على مدار الساعة منذ أكثر من قرن.. لأنّ تركية ذات العمق الحضاري،ّ تمتلك روح الحضارة، قلباً نابضاً بالحياة التي تجعل من الإنسان إنساناً، بينما امتلك المنافقون الجسدَ الأصمّ الجامد فحسب للحضارة الحديثة، كجمود قلوبهم وأرواحهم ونفوسهم.
* * *
شكراً أردوغان.. شكراً داود أوغلو.. شكراً أيها الشعب التركيّ الرائع.. شكراً تركية العظيمة..
شكراً نقدِّمها من قلب كل ثائرٍ سوريّ، وأمٍّ سورية، وطفلٍ سوريّ..
شكراً محمَّلةً بكل معاني الوفاء، باسم شهداء سورية، وجرحاها، وثكالاها، وأيتامها، ولاجئيها..
شكراً بحجم القلب التركيّ النابض بكل معاني الحياة والكرامة والأخلاق الإنسانية..
شكراً بأعداد أوراد تركية وأزهارها، من كل الألوان، التي تزيِّن كلّ أنحاء البلاد العظيمة..
شكراً، فالدَّيْن التركيّ بات ثقيلاً في رقابنا، أعاننا الله على سداده..
شكراً تركية، أيتها الشجرة الباسقة العظيمة، بأصلها الثابت، وفَرعها الذي يعانق السماء.
وسوم: العدد 665