الثورة السورية .. هي الإبتلاء الرباني الأكبر للبشرية
ما خلق الله تعالى البشر .. ابتداءً بخلق آدم عليه السلام .. إلا بهدف الإختبار .. والإمتحان ..
فقال تعالى :
( ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَوٰةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًۭا ) الملك 2
وقال الله تعالى لآدم :
( وَيَـٰٓـَٔادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ ) الأعراف 19
فكان هذا أول اختبار لقوة إرادة آدم .. أمام وساوس الشيطان .
ولكن آدم سقط في الإختبار .. من اللحظة الأولى ..
( وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ ) طه 121 .. بالرغم من التحذير الرباني .. والتنبيه الصريح له بأن الشيطان عدو له ولزوجه ..
( فَقُلْنَا يَـٰٓـَٔادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّۭ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰٓ ) طه 117
وهكذا تمضي الحياة .. منذ آدم .. وحتى قيام الساعة .. في صراع مرير بين الإنسان والشيطان .. وأعوانه .. وجنوده ..
فإما أن ينتصر الإنسان الفطري .. المجبول على طاعة الله وعبادته حسبما أمر .. وحسبما أنزل على رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم .. فيلتزم دين الإسلام .. ويجاهد في سبيل الله .. ليقيم دولة الإسلام حسبما أمر .. بتطبيق شرع الله تعالى وحده .. الذي يكفل إقامة العدل .. والسلام بين الناس جميعاً.
وإما أن ينتصر الشيطان بإغواء الإنسان .. وإبعاده عن ربه .. ودفعه إلى نشر الفساد .. والطغيان ..
وهكذا أوقد الله تعالى شرارة الثورة السورية على يد أطفال صغار برءاء ، بتخطيط .. وتدبير .. ووتقدير منه تعالى .. ليمتحن البشرية جمعاء .. مسلميها وغير مسلميها .. عربها وعجمها .. على أرض الشام المباركة (لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنۢ بَيِّنَةٍۢ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَىَّ عَنۢ بَيِّنَةٍۢ ) .
فبدأ الإمتحان الأكبر .. والأول بأهل الشام .. فالذين فيهم الخير .. والإيمان .. والرغبة الصادقة في التحرر من الطاغوت الأسدي .. تجاوبوا سريعاً مع نداءات الثورة .. وأخذت المظاهرات تنتشر شيئاً فشيئاً في المدن السورية الأخرى .. وخاصة في حمص .. حيث تفاعل الحمصيون بشكل قوي .. ومتميز عن الآخرين ..
وأهم هذا التميز تجمعهم بالآلاف في ساحة الساعة .. التي مرت ذكرى مجزرتها الرهيبة الخامسة .. منذ أيام قليلة .. راح ضحيتها عدة مئات من الشهداء ..
وبالرغم من سقوط الشهداء يومياً في المظاهرات .. إلا أن المتظاهرين استمروا في المظاهرات .. واستمروا في تقديم الشهداء دون أي تراجع .. متحدين الرصاص بصدورهم العارية .
ولكن للأسف كان عدد المتفاعلين .. والمتجاوبين مع الثورة .. والراغبين في التحرر من رق العبودية للطاغوت الأسدي قليلاً ..
وهنا كانت المهلكة الكبرى .. والإختبار القاسي .. لمعظم الشعب السوري ..
وبالأخص الفئة التي تبدو للناس .. أنها النخبة الدينية .. والثقافية .. والفكرية .. والعلمية .. فقد سقطت في الإختبار .. سقوطاً مريعاً .. ومزرياً .. وبقيت مقيدة بالسلاسل والأغلال .. ومصرة على السير في طريق العبودية .. والمهانة .. والمذلة ..
فاستمرت في تأييدها وبقوة .. وشدة .. وباندفاع ذاتي للطاغوت الأسدي .. بالرغم مما تشاهده عيانياً .. وعلى مقربة منها .. جرائمه اليومية .. التي تشيب لهولها الولدان .. وتهز لبشاعتها الجبال .. وتفلق لوحشيتها الصخور الصماء ..
ولكن هؤلاء النخب .. قست قلوبهم أشد من الحجارة .. وأقسى من الحديد ..
فارتكست فطرتهم في حمأة الطين .. والمستنقع الآسن .. وخرجوا من طور البشرية .. وأصبحوا كأنهم .. قردة خاسئين ..
وكذلك كانت مهلكة للفصائل المجاهدة .. التي تتقاتل مع بعضها .. وتدعي كل واحدة .. أنها هي على الحق المبين .. وسواها في ضلال كبير ..
والمهلكة الثانية هي للشعوب العربية والإسلامية .. التي وقفت تتفرج على المذابح .. والمجازر دون أي حراك .. أو غضب أو استنكار عملي .. لا قولي بالحوقلة وبهز الرأس .. أو بذرف دموع التماسيح .. بل بالتعبير عن السخط .. والغضب .. بمظاهرات عارمة .. تهز الدنيا هزاً وتطالب حكوماتها بقوة .. وحزم .. بضرورة نصرة المستضعفين .. وإيقاف المجازر ..
لكن :
لم ترف جفن لهذه الشعوب الخائرة .. المهينة .. المستخذية .. إلا من بعض الأصوات العابرة الخافتة .. بل إن بعض المخلوقات المسماة ( نخب ثقافية .. وفكرية .. وحزبية ) كانت بكل صفاقة .. ووقاحة تعلن تأييدها للمجرم الأسدي .. وتزوره في وكره .. مشجعة إياه على مزيد من القتل .. وسفك الدماء .. بذريعة محاربة الإرهاب .
والمهلكة الثالثة هي لحكام العرب والمسلمين .. الذين تظاهر بعضهم بتأييد الثورة السورية .. ولكنهم في الخفاء .. ومن وراء الأستار .. كانوا يتواصلون مع المجرم .. ويمدونه بكل أنواع القوة المادية والمعنوية ..
والبعض الآخر كان يعلن علناً .. وقوفه إلى جانب المجرم .. ودعمه بكل الوسائل .. دون حياء ولا خجل .. بل عن عقيدة راسخة في قلبه المشحون بحب الإجرام ..
والبعض الآخر كان يجعجع .. ويصرخ بالصوت العالي .. معلناً تأييده للثورة ودعمها .. وتعهده بحماية المدنيين .. وتأمين منطقة آمنة .. ويهدد ويتوعد بالثبور وعظائم الأمر .. بأنه لن يسمح بكذا .. ولا كذا ..
وما إن تمضي لحظات حتى تذهب كل هذه الصرخات أدراج الرياح ..
والمهلكة الرابعة هي للشعوب والحكومات غير المسلمة .. التي تظاهر بعضها في البداية بتأييد الثورة .. وشكلوا ما يسمى حلف أصدقاء الشعب السوري .. وعقدوا عدة مؤتمرات في عواصم متعددة ..
ولكن ما كانت هذه في حقيقتها إلا خداع .. وتضليل .. وضحك على الشعب السوري ..
ثم ظهرت بشكل جلي وواضح أنها كلها متفقة على تأييد المجرم .. والمحافظة عليه .. ومحاربة الثورة .. والفصائل المجاهدة على اختلاف توجهاتها وأفكارها ..
وتأكيداً لهذه الحقيقة .. تشكل الحلف الصليبي_الشيعي_اليهودي لمحاربة الفصائل المجاهدة بذريعة محاربة الإرهاب ..
وهكذا كانت الثورة السورية .. فريدة في انطلاقتها ..
فريدة في مسيرتها ..
فريدة في كشفها الحقائق .. والأسرار التي كانت مخفية عن عوام الناس ..
فريدة في تمحيصها .. وغربلتها للناس جميعاً ..
ليذهب المجرمون .. وأعوانهم .. وجنودهم إلى سقر ..
ويذهب المؤمنون ..الصادقون .. والشهداء الأبرار إلى جنات عدن ..
وسوم: العدد 666