ثالث ثلاثة في عالم السياسة

معاذ عبد الرحمن الدرويش

نزلت الأديان السماوية بفكرة الحق الظاهر للبصر و البصيرة، موحدة الله خالق الوجود ، لتدحض الباطل المبني على عبادة الأشياء المخلوقة و نكران وجود الله الخالق ، ولو بقي الصراع بهذه الثنائية بين الحق  و الباطل ، فالزمن وحده كفيل بهزيمة الباطل ، لأن فكرة الحق تتوافق دائماً مع الفطرة البشرية ،  و الباطل ضعيف لا  يستطيع أن يصمد طويلاً في هذه المجابهة .

و لهزيمة الحق كان لا بد -  لأهل الباطل -  من إيجاد فكرة تشويهه، و لا سبيل لذلك إلا أن لا يبقى الحق حقيقة واحدة ، و إنما يتم استنساخ عدة أشياء باطلة لكنها تدعي تمثيل الحق ، و من هنا يبدأ عدم اليقين و من ثم التشكيك فيه .

 و جاءت الفكرة الشيطانية المنقذة لأهل الباطل ،إنها فكرة ثالث ثلاثة،""إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ""

سورة المائدة آية (73)

نعم أنا معك و أنا أؤمن بوجود الله ، لكن أين الله من هؤلاء الثلاثة؟ .

اليهود هم أصحاب فكرة أن الله ثالث ثلاثة ، و اليوم أبناؤهم من الماسونية يعتبرون هذه الفكرة نواة و أساس لإنطلاق أهم الأفكار التي تساعدهم بالتحكم و السيطرة على العالم أجمع، خاصة و أن تكلفتها بسيطة و نتائجها مبهرة.

بكامل الهدوء و الإتزان تم إقحام إيران في قضية الصراع العربي الإسرائيلي حول فلسطين ، و بذلك تحول صراع الحق و الباطل بين العرب و المسلمين من جهة و بين الإسرائيلين من جهة ثانية إلى صراع ثالوثي أحد أضلاعه إيران، و التي تدعي سعيها لتحرير القدس في حين أن لديها رغبة جامحة لاحتلال كل البلاد العربية من خليجها الى محيطها ، و ضاعت القضية الفلسطينية بين هؤلاء الثلاثة.

ما يهمنا أكثر هو الثورة السورية المباركة، و التي هي عبارة عن ثورة شعب ضد نظام مجرم  ظالم، هي صراع بين حق و باطل لا لبس فيه ، و لا سبيل للإلتفاف على الثورة إلا من خلال فكرة ثالث ثلاثة ، و كان لا بد من خلق طرف ثالث في الصراع .

طبعاً دائماً الطرف الثالث هو جزء من الباطل لكنه يدعي نفسه أنه جزء من الحق ،

و جاءت داعش ثالث ثلاثة في الثورة السورية كهدية كبرى لنظام الأسد ، و طعنة قاتلة من الخلف للثورة السورية.

و كان للأمريكان دور كبير في التحضير لظهور داعش و تأسيس قاعدة قبول لها لدى الشارع السوري المحقون ظلماً ، عندما حاولت أن تطفي على سطح الثورة قيادات ثورية انتهازية سيئة ، أساءت للثورة و للجيش الحر ، و عندما ظهرت داعش على ذلك الديكور الإسلامي بادئ الأمر، غرر بالكثيرين من الشباب الثائر ، و ترك مسار الثورة و التحق بداعش ، خاصة وأن برنامجها أكثر إبهاراً من برنامج ثورة ضد نظام الأسد، و تدعي أنها ستقيم خلافة إسلامية راشدة، فاستنزفت كثير من طاقات الثورة ، و ضعفت الثورة ، و بين يوم ليلة تحول كثير من الثوار الذين كانوا يصوبون بنادقهم باتجاه نظام الأسد بالأمس ، يصوبون اليوم بنادقهم باتجاه اخوانهم الذين كانوا معهم في خندق الثورة قبل ظهور داعش ، هذا من الناحية العسكرية ، فما بالك من الناحية السياسية ؟ ، و التي أظهرت من خلالها أن نظام الأسد المجرم  صاحب حق لدى أوساط واسعة في الغرب.

و عندما يتم تحقيق ثالث ثلاثة على الأرض ، يصبح من السهل أن يتحول إلى رابع أربعة و إلى خامس خمسة و  ....الخ.

في ظل تلك المعطيات يجد الحق نفسه أمام عدة جبهات مفتوحة ، باطل ظاهر يقف هناك في البعيد ، و في نفس الوقت محاطاً بعدة جبهات لباطل مبطن، و يوما بعد يوم يخرج الباطل الظاهر من المعركة و يغدو متفرجا ، بينما المعركة تشتد بين الحق و جبهات الباطل المبطن المدعية أنها هي من يمثل الحق.

و هذا ما حصل حقا على الأرض فإسرائيل اليوم تقف متفرجة ، في حين يشتد الصراع العربي الإيراني.

و لا تزال أمريكا و روسيا تسعيان  ليل نهار و بكل ما لديهم من قوة في محاولة إخراج نظام الأسد من الصراع الدائر في سوريا ، و ترك هذا الصراع بين الثورة و داعش مفتوحاً إلى ما لا نهاية، ، بعد أن تم إقناع و إيهام الرأي العام العالمي أن الصراع في سوريا هو صراع مع الإرهاب، و ليس ثورة شعب ضد نظام مجرم جائر.

 

وسوم: العدد 667