الإسلام في أفريقيا الحلقة (15)
المذهب المالكي ومحنة خلق القرآن
وفي أيام يزيد بن حاتم دخل المغرب مذهب مالك على يد نفر من أعاظم تلاميذ مالك، من أمثال الفقهاء: عبد الله بن فروخ الفارسي وعلي بن زياد التونسي والبهلول بن راشد وعبد الله بن غانم.
وكان هؤلاء من كبار العلماء العاملين، الذين تخرجوا من مدرسة مالك بن أنس وتفقهوا بعلمه وتأدبوا بأدبه وقبسوا شمائله وتأثروا به تأثرا عميقا. وكان شيوخ المالكية من الإفريقيين على إخلاص شديد لمذهبهم وتمسك بالغ بالسنة والجماعة، حتى لقد اعتبروا من اتبع أبا حنيفة ضالا، وسموا الحنفيين بالمشارقة أو المشرقين.
وأما المعتزلة أصحاب القول (بخلق القرآن) فقد وجدوا سبيلهم إلى إفريقية بدعم من الدولة فقد غدا هذا المذهب هو المذهب الحاكم في بغداد أيام المأمون، ولكن في إفريقية كانوا يعدّون المعتزلة كفارا لا يعاملون في أمر من أمور المسلمين ولم تقو شوكتهم في إفريقية إلا في أيام محنة خلق القرآن عند تولية أحدهم القضاء وهو (محمد بن أبي الجواد) المعتزلي في القيروان، الذي أخذ يمتحن الفقهاء بالقول بخلق القرآن. وقد أثار إخلاص شيوخ المالكية إقبال الطلبة على الدرس عليهم من كل صوب وناحية، حتى غدت القيروان بحق مركزا إشعاعيا إسلاميا لا يقل عن البصرة والكوفة والفسطاط، وعلا نجم المذهب المالكي في سماء إفريقية والمغرب فأصبح السمة المميزة للإسلام في ذلك الصقع من دولة الإسلام. وكان يزيد بن حاتم مناصرا للمالكية وشيوخها لما كان يجد فيهم من الإخلاص والتفاني لمساندة الشرع والقانون وأمن البلاد واستقرارها، مما دفعه للاجتهاد في معاونة المالكيين على إرساء دعائم مذهبهم في المغرب وجعل ذلك ركيزة من ركائز الاستقرار وتأييد السنة والجماعة. وتناوب على ولاية المغرب بعد موت يزيد أخوه روح بن حاتم الذي كان لا يقل عنه كفاءة وقدرة، وقد حكم ثلاث سنوات انتهت سنة (174هـ/790م) بعد وفاة ابن أخيه داود بن يزيد الذي حكم أقل من سنة. ثم جاء نصر بن حبيب المهلبي الذي حكم حتى وفاته سنة (177هـ/793م).
وكان من بعده فضل بن روح بن حاتم الذي قتل سنة (178هـ/794م) على يد جنده.
وهكذا انتهى حكم المهالبة للمغرب في أوائل أيام حكم الخليفة هارون الرشيد الذي دام حوالي ربع قرن من الانفراد بحكم إفريقية، وعلى قصر تلك الفترة فإنها تعتبر من أهم فترات تاريخ المغرب الإسلامي، ففي أيام المهالبة استقر الأمر لأهل السنة بصورة نهائية في إفريقية، وساد المذهب المالكي.
وبعد فترة من الفوضى التي حدثت نتيجة لمقتل فضل بن روح أرسل الرشيد هرثمة بن أعين أميرا على إفريقية فقضى على ثورة ابن الجارود الذي قتل فضلا، وحكم سنتين ونصف نعمت فيه المغرب بالهدوء والسلام، وقد اهتم هرثمة بالإنشاءات والعمران فبنى قصر (المنستير) وهو أهم مراكز الرباط والعبادة والانقطاع لله تعالى في إفريقية، وكذلك جدد سور مدينة طرابلس، ثم استعفى من العمل بسبب ما جدّ من شغب من قبل جند إفريقية وبربرها وإفسادهم.
وبعد فترة اضطراب بسيطة عهد هارون الرشيد إلى إبراهيم بن الأغلب ولاية إفريقية والمغرب سنة (184هـ/800م). ليبدأ بذلك عصر الأغالبة وينتهي عصر الولاة.
وسوم: العدد 667