عندما خذل العالم سورية تدخلت تركيا

(عندما خذل العالم سورية تدخلت تركيا)، بقلم: رجب طيب أردوغان

رجب طيب أردوغان- الغارديان: محمد أبو جاسم-السوري الجديد

تبدأ اليوم في استانبول أعمال القمة العالمية الإنسانية الأولى،  والتي تضمّ

قادة دول ورؤساء وزراء  وأعضاء مجالس وزرارية من أكثر من  100 دولة، ما يعكس

تقدير الأمم المتحدة لاستضافة تركيا العدد الأكبر من اللاجئين بين الدول

حالياً. ولكن المدى الذي وصل إليه فشل النظام العالمي للمساعدة الإنسانية قد

بدأ ينذر بالخطر.

يعتمد قرابة 60 مليون إنسان على المساعدة الإنسانية للبقاء على قيد الحياة،

وبحسب المفوّض الأممي السامي لشؤون اللاجئين فإن عدد اللاجئين  والنازحين،

الذين يشكل الأطفال نصفهم تقريباً، قد بلغ أعلى مستوى منذ الحرب العالمية

الثانية.  ويعتمد نظام المساعدة الإنسانية بشكل كبير على الأمم المتحدة ويبقى

تحت رحمة ما يمكن أن تقدمه بعض الدول القومية بشكل فردي. إنها مشكلة عالمية

ولا بد من طرحها للمعالجة من أجل تلبية احتياجات الملايين المتضررين من الحروب

والنزاعات والكوراث الطبيعية في كل عام.

تحصد النزاعات المسلحة أرواح الناس في سوريا وليبيا واليمن يومياً، فيما تعاني

دول عديدة في آسيا وافريقيا من التوترات العرقية والكوارث الطبيعية. الصور

المحزنة التي لا تنسى لحشود اللاجئين المتهافتين إلى البوابات الحدودية  وجثث

الأطفال الأبرياء على الشواطئ،  والناس الذين يعيشون في فقر مدقع كل ذلك يجسد

مأساة الحياة اليومية في العديد من المناطق. ستطرح القمة هذه المشاكل الملحّة

وستسعى إلى إصلاح مواضع الخلل وضمان التزام طويل الأمد بتطوير الإمكانيات

الجديدة. للمرة الأولى يجتمع زعماء الدول ورؤساء الحكومات والمنظمات غير

الحكومية  والقطاع الخاص مع المتضررين بالأزمات الإنسانية من أجل البحث عن

حلول.

لقد كانت تركيا جنة الأمان للهاربين من الحرب والدمار والاضطهاد لقرون، ونقدّم

اليوم الإغاثة الإنسانية في ما يزيد عن 140 بلداً في خمس قارات.  وما زالت

تركيا في الواقع الأكرم بين الدول فالمخصصات التي تنفقها من ناتجها المحلي

الإجمالي على المساعدات الإنسانية تفوق ما تنفقه أي دولة أخرى.

إن ما يعطي تركيا موقعها المتمّيز هو التزامنا بتحقيق فارق حقيقي على الأرض

وتغيير حياة الناس – وليس السعي لتحقيق أجندات خفية أو وضع مخططات عجيبة أو

التعالي على أهل الحاجة. عندما زرت الصومال في آب 2011  وجدت بلداً أدار له

العالم الظهر. الصومال الذي يُنظر إليه على أنه دولة فاشلة قضى القحط عليها

والمجاعات والصراعات كان بلداً مدمراً. في ذلك الوقت، تعهّدت تركيّا بتقديم يد

العون للشعب الصومالي حتى يقف على قدميه من جديد – وهي مهمّة أدتها المؤسسات

التركية بالتعاون مع الشركاء المحليين،  وقد تم إنجازها خلال خمس سنوات.هذا

التقدم المذهل الذي حققته الصومال حتى اليوم في تدعيم الاستقرار السياسي،

ومكافحة الإرهاب، وتحسين أمن مواطنيها لم يلهم المنطقة بكاملها فحسب، بل أعطانا

القوة لمساعدةالآخرين أيضاً.

وما استجابة تركيا لمتطلبات الأزمة الإنسانية في سوريا إلا قصة نجاح أخرى.فبعد

تبنينا سياسة الباب المفتوح تجاه اللاجئين السوريين في عام 2011، فإن قرابة 3

ملايين مواطناً سورياً من مختلف الخلفيات العرقية والدينية والطائفية في

ضيافتنا. ولقد خصصت تركيّا على مدى السنوات الخمس الماضية  10 مليارات من

الدولارات  لتمنح السوريين عناية صحية مجانية، وتعليماً مجانياً، وسكناً

مجانياً. في وقت خذل فيه المجتمع الدولي الشعب السوري الذي أزهقت الحرب الأهلية

أرواح 600000 من أبنائه وهجّرت 13 مليوناً منهم من بيوتهم. لقد تُركت تركيا

وبقية دول جوار سورية في مواجهة النتائج المترتبة على الصراع الدائر. ومع دخول

الحرب الأهلية السورية عامها السادس، ندعو العالم لوضع آلية ناجعة لتشارك هذه

الاعباء.

لقد تجاهل المجتمع الدولي بخاصّة مسؤولياته تجاه الشعب السوري كثيراً وذلك

بالتعامي عن جرائم بشار الأسد تجاه مواطنيه. ولم يدرك القادة الأوربيون أنه لم

يعد في مقدورهم الاستمرار في تجاهل المشكلة حتى ظهر اللاجئون في شوارع أوربا

وبدأت المنظمات الإرهابية كالدولة الإسلامية بمهاجمة مواطني الاتحاد الأوربي.

كان يمكن تجنب العديد من هذه المشاكل المتعلقة بالشأن السوري لو أن العالم تدخل

في المراحل الأولى للصراع، على كل حال  لن نكون اليوم متأخرين كثيراً إذا كان

القادة الأوربيون جاهزين لأداء التزاماتهم الفعلية.

أما من أجل إبقاء الهجرة غير الشرعية تحت السيطرة فإن على أوربا وتركيا العمل

معاً لوضع الآليات القانونية كاتفاقية آذار عام 2016  لإعادة توطين اللاجئين

السوريين. كما يمكن حمل اللاجئين على تجنب تعريض أرواحهم للخطر في البحر من

خلال مكافأة اللاجئين المحققين للقوانين، والتأكيد على أنه ستتم إعادة

المهاجرين غير الشرعيين إلى تركيا.

يجب على المجتمع الدولي ألا يصدق ادعاءات الأسد بأن إزاحته من السلطة ستؤدي إلى

تصعيد الصراع في سوريا. إن علينا أن نلتزم بالقضاء على كل من داعش ونظام الأسد

لإعطاء الديمقراطية السورية فرصة للحياة، لا أن نبحث عن الشر الأقل. ويجب على

الاتحاد الأوربي باعتباره فاعلاً أساسياً في الشرق الأوسط أن يعمل إلى جانب

تركيا والآخرين من أجل صياغة حل دائم.

لا مجال للخطأ، فمعاناة السوريين ستستمر حتى يبذل المجتمع الدولي جهداً جادّاً

لإنهاء الأزمة، ويمنع الهجمات على المدنيين، ويفرض مناطق آمنة من الإرهاب في

البلاد. كما يجب على مجلس الأمن أن يمهد الطريق لذلك. إننا ندعو الأعضاء

الدائمين في مجلس الأمن إلى استخدام قوة الفيتو لتدعيم السلام والاستقرار

والأمن في أرجاء العالم بدلاً من استخدامه في السعي وراء مصالحهم الآنية.

سيقدّم قادة العالم هذا الأسبوع التزامات جادة لإصلاح هذا النظام، ولكن إمكانية

تحقيق تغيير حقيقي يعتمد على إخلاص المشاركين وعلى ما لدينا من سعة صدر لـ 125

مليون أخٍ لنا في الإنسانية. علينا أن نعمل معاً لإعادة الأمل إلى قلوب

المساكين، والجوعى والمضطهدين. لنخطُ معاً هذه الخطوة الكبيرة نحو الأمام

باتجاه عالم أكثر سلاماً وأماناً وعدالةً.

وسوم: العدد 669