ويبقى للمظلوم أقوى سلاح
لا يزال الصراع بين الحق والباطل قائماً ما قامت الحياة ، مستمراً ما استمرت الدنيا ، ولا يزال الخلاف بين الناس مشتعلاً ، والخصومات محتدمة ، والصراعات متقدة ، ولا تزال القلوب مختلفة والنفوس متباينة والطبائع متغايرة ، إلا من رحم ربي .
ومع نصوع الحق ، وإشراق شمسه ، وقوة ضيائه ، فإن ضباب العناد يحاول أن يحجب ضوء الحق ، وغيوم اللدد تحاول أن تخفي سنا الحقيقة ، وعتمة الخصومة تحاول أن تواري نور الصدق .
وللباطل أساليبه الملتوية ، وطرقه المعوجة ، ودروبه العنيدة ، ومتاهاته المحيرة ، واتهاماته الجائرة ، وتلفيقاته الكاذبة ، وحججه الملفقة ، وأقواله المنمقة ، وجداله المدافع ، ولسانه اللاذع ، لتضيع بين هذه المتاهات الحقائق ، وتتوه الوثائق ، ويخرج الباطل من ساحة الحكم منتصراً ، ويفوز الظالم ، ويقهر المظلوم ، وتطوى ملفات القضايا ، ويسدل الستار ، فهل ينتهي الأمر عند ذلك ؟
لا .. إن هذه الملفات ستفتح مرة ثانية ، ويستأنف الحكم فيها ، وتبسط الحقائق من جديد ، وتناقش الوقائع في عدل مطلق ، وإنصاف محقق ، وميزان بالقسط ، وفصل بالعدل ، والموعد الآخرة ، والحاكم رب العالمين الذي يقول : [إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون] (السجدة : 25).
ولا يفرح الظالم بما حققه من نصر ظلماً ، وإن أصر على أن يفرح فليفرح ولكن بقطعة من النار اقتطعها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما روته أم سلمة رضي الله عنها " إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع ، فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار " (متفق عليه) ولا يحزن المظلوم ، فإن شهرت في وجهه أسلحة الباطل ، فلم يزل بين يديه أقوى سلاح وهو الدعاء ، فالدعاء سلاح المؤمن ، يتسلح به المظلوم ليضرع وقت السحر ـ والظالم يغط في نوم عميق ـ ليناجي الحق الذي لا تضيع عنده الحقوق ، فتسري دعوته إلى آفاق بعيدة ، محتمية بأقوى الأقوياء ، مستجيرة بجبار الأرض والسماء ، مستغيثة بالقاهر فوق عباده ، فتخترق دعوة المظلوم الحجب ، وتفتح لها أبواب القبول ، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم " ثلاثة لا ترد دعوتهم ، الصائم حتى يفطر ، والإمام العادل ، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب : وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين " (رواه الترمذي) .
دعوة المظلوم .. سلاحه الذي يأخذ به حقه بين البشر .. ويا له من سلاح ، يهابه من يعرف قدره ، ويتقيه من يدرك خطره ، ويخافه من يخشى أثره .
ومن ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم لماذا بعثه " واتق دعوة المظلوم ، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " (متفق عليه) .
ولما كان المسافر يمتلكه الرجاء ليسلم من سفره متحصناً بكل أسباب النجاة ، كان من دعاء المسافر التعوذ من دعوة المظلوم ، فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج في سفره قال : " اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، والحور بعد الكور ، ودعوة المظلوم ، وسوء المنظر في الأهل والمال " (رواه مسلم) .
قد تضيع الحقوق ، وتبرق أسلحة الظالم ولكن يبقى للمظلوم أقوى سلاح له الدعاء .
وسوم: العدد 669