وهم الاستثناء المغربي
بعد حادثة البوعزيزي الشهيرة خلال يناير 2011، والتي كانت بمثابة الشرارة الأولى لتأجيج رياح الغضب والثورة في جل البلدان العربية ضد أنظمتها المستبدة الظالمة، صرنا نسمع كلاما كثيرا؛ هتافا من هنا وهناك يحمل تنويها بتجربتي التغيير بتونس والمغرب. غير أن ما يهمنا هو ما قيل ولازال يقال عن التجربة المغربية من قبيل " التجربة المغربية تجربة نموذجية " حتى أضحى العديد ممن يتعاطى السياسة رجالا ونساء بالمغرب يفتخرون بهذه التجربة، بل أصبح الكثير منهم يراهن بكل ثقة على تصديرها إلى الخارج للبلدان العربية الأخرى باعتبارها في نظرهم تجربة ديموقراطية ناجحة فريدة تحت ما يسمونه بالاستثناء المغربي. فعن أي استثناء يتحدثون؟ هذا علما بأن من يروج لهذا الكلام المنمق الذي لا يخلو من تجوُّز طبعا هم أبواق النظام السياسي، لأن هذا النظام الثابت الثالث في الدولة بعد أن فلت من جهنم الربيع العربي / الديموقراطي التي التهمت نظام بن علي ونظام القذافي .. - بعدما كان لا يتصور أحد سقوطهما بالشكل الذي سقطا به - كان عليه لابد أن يعمل على زيادة أعمدة الكرسي الذي يتربع عليه، كي - لا قدر الله - إذا تآكلت أو شُلّت أحد أعمدته يظل صامدا قائما يملك وقتا لتضميد جراحه وتحريك أجنحته.
إن التسويق الإعلامي لمقولة الاستثناء المغربي لَمغالطة من المغالطات المفضوحة التي حِيكت كغيرها من المغالطات والحيل لتنويم قوى الشعب المغربي الحية وقبرها بلا رجعة، وقطع الطريق بشكل تام أمام كل من يفكر في التغيير الثوري أو ينويه حتى؛ خارج نطاق اللعبة السياسية السمجة وبالشكل الذي يرتضيه النظام أيضا.
فالاستثناء المغربي يقصد به من يروج له أن التغيير بالمغرب نحو نظام ديموقراطي قد تمّ ، وأن المغرب قطع فعلا بذلك مع نظام الاستبداد السابق ، وذلك يتمثل في نظرهم في كون هذا التغيير تم دون تكلفة غالية ، ودون زهق أرواح، مقارنة بدول عربية أخرى شقيقة، متناسين بذلك كل ما تعرض له الكثير من شباب حركة 20 قبراير من عنف وتضييق واعتقال ومتابعات وترهيب.
وخرافة الاستثناء المغربي تكمن في نظر مروجيها أيضا في خطاب التاسع من مارس الذي يقدمونه على أنه فضل ومكرمة من الملك على الشعب، وكأن هذا الشعب قدره العبودية، فمتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم احرارا؟ وكأن هذا الشعب أيضا قاصر على صياغة دستور يعيش وفقه بكل حرية، أو أن هذا الشعب المغربي في السابق لم يكن في المستوى الذي يؤهله لدستور 2011. هذا ما يفهم من الطريقة التي يسوق بها خطاب التاسع من مارس ودستور 2011 أيضا، في حين أن المتتبع العاقل الواعي لما يجري في الساحة السياسية المغربية وإن كان خارج دواليب الدولة والنظام، فإنه يعلم جيدا أن خطاب التاسع من مارس الذي كان إعلانا عن مراجعة الدستور والذي نتج عنه دستور 2011 لم يكن الشعب في حاجة إليه، فالشعوب دوما تواقة للحرية والعدل والمساواة والانعتاق والرخاء، هذا ما تعلمناه من دروس التاريخ ، فتلك حقوق وقيم إن غابت أو تغيبت اختلّت حياة المواطنين وتضنّكت. فالنظام إذن هو من كان محتاجا لكذبة أبريل واستعجلها في مارس مخافة أن يُطلّق ثلاثا من قبل أحرار الشعب لا أشراره كما سماهم، ولهذا قد سارع لتنفيذ وعده المتمثل في الدستور الجديد من حيث الشكل أكثر منه في المضمون، كما سارع إلى تجنيد كل الوسائل المخابراتية والإعلامية لتسويقه تسويقا لافتا( لافتات صوت بنعم ، نعم للدستور، مثلا)، محاصرا به وعي الشعب مركزا على دور أعوان السلطة في تمرير الاستفتاء على الدستور بشكل مرن، وخاصة المقدمين والشيوخ الذين طرقوا البيوت بابا بابا لتعبئة المواطنين بل وتخويفهم من مطبة عدم التصويت على الدستور بــ"نعم"، فإذا كان القذافي قد توعد بمطاردة الليبين كالجرذان ؛بعد ان باغثوه؛ في عبارته الشهيرة " زنكة زنكة دار دار بيت بيت " فإن مهندسي القصر وأطباءه النفسيين لم يكونوا في حاجة لذلك، فهم قد خبروا نفسية المغاربة ونمط تفكيرهم انطلاقا من التقارير اليومية التي ترفع إليهم، ولذلك بعد نصف شهر من اشتعال فتيل حركة 20 فبراير في الشارع المغربي أعدوا الخطبة / الجرعة المناسبة - خطاب التاسع من مارس - للشعب المغربي وقد أحسنوا التشخيص والتصويب، فسارع النظام بالتدخل العاجل قبل ان تزداد درجة حرارة الشارع المغربي ارتفاعا، فيصاب الكل بجنون الثورة، وتطالب الحناجر باقتسام الثروة، فيحتاج انذاك إلى ترياق متقدم او ترياق خارجي باهظ الثمن .
فانطلاقا من هذا الواقع الذي عاشه كل مواطم مغربي متتبع من خطاب التاسع من مارس إلى طريقة إعداد دستور 2011 وتسويقه، ثم التصويت له، وما شاب ذلك من ثغرات وتدليس، يمكن القول أنه استثناء مغربي فعلا لكنه استثناء سلبي لا يستحق الإشادة والفخر، فما هو في الواقع إلا التفاف على الثورة وامتصاص للغضب لا غير.
وسوم: العدد 670