متى نكف عن إضاعة حقوقنا ؟!

أصدرت " الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة " التابعة ل " جماعة العدل والإحسان " المغربية ؛ بيانا في الذكرى التاسعة والأربعين لهدم إسرائيل حارة المغاربة أو حي المغاربة بعد احتلالها الجزء الشرقي من القدس في السابع من يونيو / حزيران  1967 . هدمُ الحارة الكبيرة  حدث بعد ثلاثة أيام  من سقوط الجزء الشرقي من القدس بيد كتيبة المظليين 55 التي كان يقودها موتي غور تحت إشراف الجنرال عوزي نركيس قائد المنطقة الوسطى التي كانت تتخذ مدينة الرملة مقرا لها ، وقتلت القوات الأردنية 97 جنديا من تلك الكتيبة وأصابت 400 آخرين .  وأشرف على جريمة الهدم  إيتان بن أنيان الضابط في سلاح الهندسة بالجيش الإسرائيلي . والهدف المباشر من هدم الحارة الواقعة جنوب غربي القدس كان توسعة المكان لإقامة ساحة لصلاة اليهود أمام حائط البراق مثلما يسميه المسلمون أو حائط المبكى مثلما يسميه اليهود . كانت فرحة اليهود عارمة الانفعال بالسيطرة على شرقي القدس ، فزاره شلومو غورن الحاخام الأكبر للجيش الإسرائيلي في نفس يوم السيطرة عليه ، وزاره ليفي أشكول رئيس الوزراء وموشيه دايان وزير الدفاع وبن غوريون رئيس الوزراء الأسبق الذي كان يومئذ بلا منصب رسمي . وضمت إسرائيل شرقي القدس في 27 من نفس شهر احتلاله ، وتحتفل بتلك الذكرى كل عام في 28 مايو / أيار وفق التقويم العبري . بيان الهيئة المغربية ظاهر الصدق حار العاطفة يختلف عن البيانات العربية  الباهتة التي نسمعها في مناسبات الحزن والخسارات العربية والإسلامية ، ويؤكد البيان أن " حارة المغاربة حق يأبى النسيان " توافقا مع إيقاع الشعار الفلسطيني الدائم " العودة حق يأبى النسيان " ، وأهابت الهيئة في نهاية بيانها ب " أحرار الأمة " للمطالبة باستعادة هذا الحق بكل الوسائل المشروعة . واختلفت ردود الإعلام الموازي خاصة من دول المغرب العربي حول تسمية الحارة بحارة المغاربة ، ورأى بعضهم فيها اقتصارا على ما يعرف الآن بالمغرب مستثنية للجزائر وتونس ، والتاريخي أن الحارة مؤلفة من أبناء الدول الثلاث ، ولابد أن بينهم ليبيين ، من أحفاد مجاهدي هذه البلدان الذين حاربوا مع صلاح الدين لتحرير القدس من الصليبيين ، وأقطعهم ابنه نور الدين الأرض التي بنيت عليها الحارة . كأن المختلفين لم ينتبهوا إلى أن بيان الهيئة يصف الحارة بأنها من مقدسات الأمة الإسلامية ، وهو بهذا الوصف يتجاوز نطاق هذه البلدان ونطاق العالم العربي ، ويعده حقا إسلاميا ، وهو الصحيح ، فعلام الاختلاف والجدل ؟! لا يجب الاستخفاف بالقيمة الدلالية للبيان ، واعتداده بيانا عربيا مألوفا . إنه صرخة لتوجيه البوصلة نحو حق عربي إسلامي يمثل جزءا من حق أكبر مغتصب هو فلسطين العربية الإسلامية ، ولا فرق بين الصفتين في تحديد هويتها ، وما ضاع حق وراءه مطالب ، وقبل هذه الحكمة يجب التوكيد أنه ما ضاع حق عرف أهله كيف يحفظونه ، والوقاية دائما في كل شيء أنفع من العلاج وأقل تكلفة . وأصابت أم أبي عبد الله الصغير حين لامته لما بكى وهو يلقي النظرة الأخيرة باكيا على غرناطة التي سقطت في يد الأسبان : " ابكِ مثل النساء ملكا مضاعاً * لم تحافظ عليه مثل الرجال ! " ، ولم يكن أبو عبد الله قادرا على مغالبة الأسبان وصدهم عن آخر معاقل دولة الإسلام في الأندلس ، ومع ذلك لامته أمه مقررة حقيقة  أن الدفاع  عما يراه الإنسان حقا له واجب مهما كان سوء حاله . ونحن قادرون على حفظ حقوقنا قبل ضياعها ، وحتى بعد ضياعها لنا قدرة كبرى على استعادتها . كل مصادر القوة في يدنا عددا وعتادا ، خرابنا الكبير في كوننا لا نستخدم هذه المصادر لا في حفظ الحقوق ولا في استعادتها . نحن مصدر كبير لقوة إسرائيل ضدنا ، وأول هذه المصادر انعدام الجدية في مواجهة خطرها المهلك ، وأسوأ من انعدام الجدية تحالف مصادر القوة  العربية معها منذ نشأتها ، وقبل نشأتها حين كانت حركة ومشروعا . ولننظر إلى ما يفعله العرب بمن يتصدى لخطر إسرائيل منهم ! يتهمونه بالإرهاب ويحاصرونه ويتآمرون مع إسرائيل ومراكز حمايتها في الغرب عليه . اليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل من الدول العربية بتشجيع وضغط من إسرائيل ليرفدوها بالبشر؛ تعد رابطتهم الوثائق والأرقام ارتقابا للحظة المطالبة بما يسمونه حقوقهم وأملاكهم في الدول العربية التي اعتدوا على بعضها ضمن جيش إسرائيل بعد هجرتهم ، وهم جادون أقصى الجدية في مطالبتهم ، ونتخوف أنهم لن يفشلوا فيها متى صارت علاقات دولتهم رسمية علنية  بالدول العربية مثلما تعرض عليها المبادرة العربية . نتخوف أنهم سينالون السلام والأملاك . ولم لا ينالون الاثنين مادام العرب لا يحسنون حفظ حقوقهم ولا يكفون عن إضاعتها في مختلف المجالات والمستويات  ولا يخلصون في استعادتها ، بل يعيقون ذلك ؟ لن تتوقف هذه الإضاعة وما يتبعها من العجز عن الاستعادة إلا إذا كففنا نحن عنها ، وانبعثنا بروحية وصدق بيان  " الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة " ، وحولنا تلك الروحية عملا مخططا مخلصا متواصلا ، وبينا للإسرائيليين أن الحقوق العربية ليست مباحة لمن شاء أن يسطو عليها ويدعيها وينكرها عليهم . إنهم لا يتهاونون في المطالبة باللجام ، ونحن  نتخلى عن الحصان الذي سرقوه منا .

وسوم: العدد 672