ليس الحل أن أقتل أخي
لم يكن من فراغ أن يصف إعجابه الشديد بشخصية الرسول محمد صلى الله علية وآله وسلم الكاتب الغربي مايكل هارت بقولة " لو كان محمد موجودا لحل مشاكل العالم المعقدة...و هو يرتشف فنجان قهوة الصباح " وليس من العجيب أن يكون واحدا من كثير من كبار المفكرين و الساسة في الغرب الذين يدرسون السياسة المحمدية في خطوطها العريضة والدقيقة في إدارة الصراع وحل المشكلات المختلفة ، وعلى النقيض من ذلك قادتنا وسياسيونا يدرسون السياسة اليوم من منظور ميكافيلي برجماتي مبني على الاستحواذ النفعي المادي متدرجا بالوسائل الممكنة ألتي ألجأتهم في كثير من الأحيان إلى وسائل لا أخلاقية بدئا من خديعة القوى الناعمة في الحوار إلى الوحشية و الدموية في الصراع ،ومن تلك المقدمة ندرك بوضوح أن مسرح السياسة في بلادنا وأمتنا عموما في أزمة معرفية سلوكية وليس في صراع دينيٍ أيديولوجي كما نظن إذ لا علاقة للدين بالسياسة الفاشلة والأخلاق المنحطة ولا علاقة للنصوص المقدسة بالإخفاقات و خيبات الأمل ولا علاقة للفكر بكل ذلك أيضا وإنما هو استدعاء لتلك النصوص بتحريف واضح مقصود أو فهم خاطئ لاستقراء عدائي مجذوذ في محاولة لإلباس تلك الإخفاقات تبريرا دينيا يخفي سوأتها ويجمل عيوبها ، في حين أن الدين له نصوص عريضة ومقاصد راسخة لا ترسمها حتى نصوص تطبيقية أخرى أو معالجات آنية و إسقاطات لعناصر السياق المختلفة من زمانٍ ومكانٍ وأفراد، فإن قمة نجاح الأداء السياسي مثلا أن يأتي إليك عدوك متشحا سيفه ليقتلك فيخرج من عندك وأنت أحب الناس إليه، أو أن يدمي قومٌ أقدام شخصٍ ما فيعمل عليهم طويلا بصبر وحب و سلام ليحولهم إلى قادة يفتح بهم العالم و إن من أكبر الفتوحات السياسية أن يحاورك عدوك فيعقد معك صلحاً يملي عليك فيه السياق شروطا مجحفةً لتصنع منه بعد ذلك بحراً دافقا من التأييد والجندية تهز به عرش الكيان المجحف ذاته لتورث مكانته وبدون استخدام عصا موسى أو جن سليمان أو ملائكة السماء ولكن بأدوات سياسية مبسوطة للجميع وواقعية خالدة خلود الزمان والمكان ، إن من المنظور السياسي للكسب المستدام هو أن يقوم على تصحيح المسار التاريخي للأمم لتبدأ مشوارا يكبر مع الزمن يحمل في بذوره خلود النجاح وديمومة الذكر الحسن لقد كانت حياة الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم دروسا عملية واقعية تدريبية كبيرة مجلجلة في الفكر والمضمون بسيطة في الشكل والأداء بساطة الحياة والفطرة التي كانوا يعيشونها وإن من الخطأ الكبير أن نفهم تلك الدروس على أنها من معجزات النبوة و تأييد السماء إذ أن هذا الفهم يفرغها من مضمون القدوة والإقتداء ويحجبنا عن الدراسة والاهتداء في حين يستفيد منها كل وارد إليها حتى إن كان من الأعداء لأنها تدريب عملي واقعي لبني البشر على ظهر هذا الكوكب بكل معطيات الحياة فيه وليس لسكان كوكب آخر.
إن من الارتكاسة في الحياة الإنسانية قبل الانتكاسة في المواقف السياسة والعيب المخجل لنا أتباع هذا النبي العظيم أن يتحاور الفر قاء اليمنيون وعلى غرار جميع قضايا أمتنا برعاية أممية وجهود دولية و إقليمية في الكويت خمسين يوما ونيف شربوا خلالها مئات بل ألوف من فناجين قهوة الصباح ولم يصلوا إلى أدنى اتفاق أو صلح يحقن قطرة دم أو يقدم شربة ماء أو لقمة زاد أو ظلاً للاجئ بل قدموا حلا سياسيا عبقرياً وحيدا منذ اليوم الأول يرددونه إلى اليوم وهو" ليقتل كل منا أخاه لكي نستطيع أن نستمر جميعنا في الحياة" .
وسوم: العدد 673