شيطنة العرب والمسلمين
بداية يجب التأكيد على إدانة الارهاب بكافة أشكاله ومسمياته، وبغض النظر عن جنسية أو لون، أو دين ضحاياه ومرتكبيه، مع ضرورة التمييز بين الارهاب وبين أعمال المقاومة التي تقرّها الشرائع السماوية والقانون الدولي، وبالتأكيد فإنّ الارهاب الذي تمارسه الدول هو أبشع أنواع الارهاب وأكثرها فتكا.
ويلاحظ أنّ الاعلام الغربي يركّز على شيطنة العرب والمسلمين كشعوب وكأمّة وكدين عند قيام أيّ عربي أو مسلم بأي جريمة فردية وبغض النظر عن أسبابها ودوافعها، في حين يغضّون النظر عن الأعمال الارهابية التي يمارسها غير العرب والمسلمين، وتمرّ جرائمهم كخبر عاديّ دون وصف تلك الجرائم بالارهاب، ودون الاساءة لشعب وأمّة وديانة المجرم.
فأن يقوم أحد اليمينيين البريطانيين مثلا بقتل عضو برلمان بريطانيّة، وطعن آخر فهذا ليس ارهابا، لأنّ المجرم بريطانيّ أبيض البشرة مسيحي الديانة، بينما لو قام بها أحد المسلمين البريطانيين لتجنّدت وسائل الاعلام الغربية لتجريم العرب والمسلمين والاسلام ودمغهم بالارهاب.
وأن تقوم دول النّاتو بتمويل وتدريب وتسليح ارهابيّين لمارسة القتل والتّدمير في سوريا والعراق وليبيا وغيرها فهذه أعمال "انسانيّة" حسب "الديموقراطيات الغربيّة، لتحرير الشّعوب من الأنظمة "الدكتاتورية."
تماما مثلما قامت أمريكا وحلفاؤها عام 2003 بغزو العراق وتدميره واحتلاله وهدمه كدولة، وقتل وتشريد الملايين من شعبه، واسقاط نظامه الحاكم، وتسليمه لمجموعة من اللصوص والسّراق، وادخاله في صراعات طائفية تمهيدا لتقسيمه، فهذا "تحرير للعراق من النظام الدكتاتوري"! حسب زعمهم. أمّا الجرائم التي يرتكبها وكلاؤهم في العراق فهي"لبناء عراق حرّ وديموقراطي!"
وأن تقوم أمريكا بدعم اسرائيل في مختلف المجالات لتكريس احتلالها لأراضي الدّولة الفلسطينيّة العتيدة، فهذا دعم "لواحة الديموقراطية في الشرق الأوسط!" وأعمال المستوطنين الاسرائيليين الاجرامية في الأراضي المحتلة ليست ارهابا! والاحتلال وجرائمة ليس ارهاب دولة! بينما الارهاب هو مقاومة الاحتلال! وسعي الشّعب الفلسطيني لتقرير مصيره واقامة دولته المستقلة كبقية الشعوب ارهاب!، ومن يدعم مقاومة الاحتلال سواء كان دولة أو غيرها ارهابي!
والقتل الجماعي للمسلمين في بورما وغيرها ليس ارهابا. ولا ادانة للبوذيين عليه، والسبب أنّ المجرمين ليوا عربا ولا مسلمين.
وانتخاب اسرائيل لرئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة مع أنّها لم تحترم القانون الدولي يوما في تاريخها، خدمة للسلم العالمي وتشجيع لحكومة اسرائيل اليمينية للرضوخ لمتطلبات السلام العادل، بينما قيام بعض الدّول والمؤسسات بمقاطعة منتجات المستوطنات الاسرائيلية المقامة بالقوّة العسكريّة الاحتلالية على الأراضي الفلسطينية، عمل ارهابي لا ساميّ وخرق لقوانين التجارة العالمي.
صحيح أنّ بعض جماعات الاسلام السياسي كالدواعش وأخواتها قامت وتقوم بأعمال ارهابية يندى لها جبين الانسانيّة، وهي مدانة من عقلاء العرب والمسلمين كلهم. لكن من أسّس هذه الجماعات؟ ومن يسلحها؟ ومن يدربها؟ ومن يموّلها؟ أليست دول الناتو وحلفاء أمريكا في المنطقة؟ ولماذا لا يتم تجفيف منابع الارهاب؟ ولماذا لا يتمّ البحث عن أسباب الأعمال الارهابيّة والعمل على حلّها؟ وأيّهما أشدّ خطورة على السلم العالميّ ارهاب الأفراد والجماعات أم ارهاب الدّول؟ صحيح أنّ المفاضلة هنا بين شرّين، لكن ارهاب الدّول هو من يخلق ارهاب الأفراد والجماعات.
وهل نهب ثروات الشّعوب النّامية من قبل الدّول الكبرى ارهاب أم لا؟
ولماذا يتوقف القانون الدّولي عند حقوق العرب والمسلمين وكل الشّعوب المستضعفة؟
ولماذا تتهرّب من تزعم أنّها حامية لحقوق الانسان وللديموقراطيات من تعريف الارهاب؟
إن شيطنة العرب والمسلمين، ومعاداة الديانة الاسلامية سياسة مبرمجة ومدروسة، لتخلق ردود فعل تبرّر الحروب الامبريالية على المنطقة، لتكريس السيطرة عليها كموقع استراتيجي يتوسط العالم، ولنهب ثروات وخيرات هذه البلدان وفي مقدمتها النفط، ولا شكّ أنّ وكلاء أمريكا يسهلّون هذه المهمة، ويستغلون جهل جماعات "الاسلام السّياسي" لتبرير وترويج وترسيخ ذلك.
وسوم: العدد 673