مع الدكتور محمد راتب النابلسي في رمضان

clip_image002.jpg

لم نتوصَّل إلى المسجد إلا في بحر سيارات متلاطم الأمواج، لم يدع موضعا من المنطقة المحيطة بالمسجد إلا بلغه وملأه، في مشهد خرافي، لا عهد لأحد هنا بمثله. لمحتُ فرجة صغيرة بين بعض السيارات المتعاكسة، خشي الناس منها على سياراتهم، برقابة نظام فضائي صارم، واجترأتُ باكتناز سيارتي الإنوفا وتنبيهات ابني فُرات، ثم قليلا قليلا نفذتُ بها في المضيق!

فاتتنا الجماعة الأولى، فأدركنا جماعة أخرى خارج المسجد -ولولا خفة الحر قليلا لافتتنا- ثم صلاة التراويح بأحد الأئمة الوَرْشِيّين المتقنين، وقليلا قليلا تقدمنا إلى القسم الخارجي المفتوح من المسجد، الذي عجزت فيه المراوح النفاثة عن أن تخفف من عرق أيٍّ من المحتشدين، ولكنهم اختلفوا: فكان منهم من سال عرقه على كتفيه، ومن مال عرقه إلى أعلى ظهره، ومن تدفق عرقه إلى أسفل ظهره حتى حمّمه!

ذكرت صلاة التراويح بجامع عمرو بن العاص إبان خطابة أستاذنا الدكتور عبد الصبور شاهين وإمامة الشيخ محمد جبريل، أنه كان يتنحى لأستاذنا في أثنائها بين نصفيها، فأما أمس فلم يتنح القارئ الوَرْشِيّ المتقن للدكتور راتب إلا بعدها، بل بعد دعائه الطويل اللاحق. وكانت قياما بثماني الركعات المعروفات، ثم وترا بالثلاث المتصلات بتشهدين. وفي مقام التراويح لا يجلس الإمام العماني بعد العشاء للدعاء مثلما يفعل في غير رمضان، فربما يظن الغريب أنه استغنى عنه، فإذا به يلتفت إلى المصلين من بعد ذلك الدعاء الطويل اللاحق، فيأتي بدعاء ختام العشاء وجيزا خفيفا!

على الشاشة الخارجية رأينا المصلين الداخليين يقومون ويتضامّون، فينضم إليهم شعبٌ من المصلين الخارجيين المحتشدين على أبواب الدخول، فأعذرهم باقيا في مكاني وعن يساري فُرات قلقا غاضبا. حتى إذا ما خف الاحتشاد جذبته لننضم فيمن انضم مرة أخرى.

لله عند الدكتور محمد راتب النابلسي وجه وصوت ولغة ورسالة: فأما الوجه فبحسبك أن تقول شامي، وأما الصوت فبحسبك أنْ شُبه بصوت نزار قباني، وأما اللغة فبحسبك أنه لغوي -فإن ترك الفصحى أحيانا للعامية فإن عامية الشوام أحب من فصحى غيرهم- وأما الرسالة فبحسبك أنها تربوية قرآنية منظمة.

لم يكد الدكتور راتب يمضي في كلمته حتى سكت، ثم تقدم أحد المنظمين يقرأ من ورقةٍ بياناتِ سياراتٍ ذكر أنها سدّت على الناس في المنطقة المحيطة بالمسجد مداخل بيوتهم؛ فيَخرج إليها أصحابها!

سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

تُرى من كان لأهل بيوت المنطقة المحيطة بجامع عمرو بن العاص من القاهرة المحروسة، حين كانت جُسوم مئات ألوف المصلين الخارجيين لا سياراتهم، تُسوِّرها مضطرةً على رغمهم؛ فلا يخرجون، ولا يدخلون!

وسوم: العدد 674