رمضان في حلب
رأيته في جلبابه الأسود يمشي حائرا بين الركام والفراغ . اقتربت منه وقلت : مرحبا بك ايها الشهر الكريم في حلب المحروسة , ولكن لماذا أراك بثيابك السوداء .
صوب رمضان نظراته الي وقال :
كنت آتيكم كل عام مبتهجا مرتديا ثيابي البيضاء والخضراء والوردية . وكنت أطوف بين الناس في زحمة الأسواق أصغي لأصواتهم وأتابع حركاتهم النشطة . كنت اقف امام مئذنة جامعكم الأموي الكبير أترقب المؤذن وهو يصدح : الله أكبر . كنت أرى البسمة على وجوه الأطفال , ولمسة النقاء على وجوه الناس وهم يتعبدون بصيام أيامي وان كانت ساعاتها طويلة وحارة .
وها أنا اليوم أطوف لأرى الأسواق فلا أرى فيها البهجة ولا أرى الفوانيس تبدد ظلام الليل الذي حرمتموه الضياء بنزاعاتكم . وآتي لسماع الأذان فلا أرى مئذنة
ولا أسمع صوت مؤذن . أين منارة جامعكم التي بقيت ألف سنة ولم تنل منها يد الدمار ثم أتيتم أنتم فحولتموها الى ركام . دخلت أبحث عن منبر صلاح الدين فلم أجد له أثرا في جامعكم العظيم .
كنتم تستقبلونني بالمباهج وطلقات الترحيب بمدفع رمضان .
وها أنتم اليوم تستقبلونني بمدافع دماركم وقذائف أحقادكم وتفجيرات إجرامكم !!!
متى تستفيقون ..... متى أعود اليكم وقد أنارت قلوبكم وبيوتكم وشوارعكم وارتويتم بعد ظمأ ظالم عانيتم منه بلا مبرر . لن أنتظر العام القادم . ولعلكم تفرحونني بأخباركم قبل أن أغادركم في آخر أيامي .
وداعا أهل حلب الكرام , ونلتقي وقد زالت محنتكم السوداء التي لم يشهد التاريخ مثيﻻ لهولها وفظاعتها وجنونها .
وسوم: العدد 674