بوضياف .. الأيام الأخيرة
أعرف بوضياف من خلال كتابه " OU VA L'ALGERIE". وأعرفه جيدا من حكم فترة حكمه التي قضاها والمقدرة بـ 160 يوم فيما أتذكر. وأقرأ عنه كما قرأت عن غيره بأنه من المؤسسين لمجموعة 22 التي فجرت الثورة الجزائرية. ورحمة الله عليه فيما أصاب، وغفر الله له ولغيره فيما أخطأ.
وبوضياف من الشخصيات التي إختلف حولها أبناء الجزائر. منهم من توقف عند ماضيه. ومنهم من إكتفى بأيامه الأخيرة. والمتتبع المحايد يقف على مراحل الرجل كلها إن إستطاع إلى ذلك سبيلا، ولا يكتفي بمرحلة دون أخرى، فإن ذلك يسئ للرجل، ويبخسه حقه.
قرأت كتاب " OU VA L'ALGERIE" لبوضياف سنة 1990-1991. وقفت مع الرجل في محنته، واستنكرت على الذين سجنوه، وقلت ما يحق لقادة 22، أن يرموا في غياهب السجون. وتركت خلافه السياسي وراء ظهري، فتلك خلافات حول الكرسي اللعين، جعلت من أصحاب الأمس أعداء اليوم.
وحين جيء ببوضياف على ظهر دبابة، قلت: ما كان لأمثالك أن يمتطوا دبابة، وكانت تلك بداية الانحراف. وحين فتح السجون والمعتقلات والرمال لإطارات الجزائر، وأذاقهم الذل والهوان، قلت:
ما كان يليق بمن فجّر الثورة الجزائرية، ونال السبق والريادة، وواجه وحشية الاستدمار، واستحق وسام 22، ووقف في وجه آلة الدمار والتعذيب، أن يخطو نفس خطواته، ويعذّب أبناءه، ويرمي بهم تحت لهيب الرمال، ويسلّط عليهم سوط عذاب.
وأعرف أئمة ، وأطباء، وأساتذة، وإطارات، عانوا الذل ، والقهر، والهوان في الفنادق الرملية برقان، والناموس.
لهؤلاء نكتب بعد ربع قرن. وقد كتبنا عنهم ونحن يومها شبابا .
ولو أعرف أن آيت أحمد - مثلا - هو الذي قاد الجزائريين إلى مراكز الذل والهوان، لذكرته بالإسم ولعاتبته عتابا شديدا.
إحترام الماضي لبوضياف وغيره، يدفع المتتبع أن يذكر المواقف الأخيرة للرجال..
وحين يتحدث المرء عن الخواتيم، فإنه يقصد المواقف الأخيرة، ولا يقصد أبدا الطريقة التي لقي عليها المرء ربه. فتلك ليست من شؤون البشر، ولا يقدر عليها أحد، ولا دخل لأحد فيها، وليست من شؤون الحكم والتسيير.
رحم الله أبناء الجزائر الذين ماتوا في سبيلها. ورحم الله أبناء الجزائر الذين قتلوا في سبيلها. وستظل الجزائر تحفظ ماضي الرجال الناصع، وتظل تذكر للأجيال القادمة خواتيم الرجال ، الذين جيء بهم على ظهر دبابة.
وسوم: العدد 675