حول قوله تعالى: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ [البقرة: 163]

د. عبد السميع الأنيس

تأمَّلتُ في قوله تعالى: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ [البقرة: 163]، فرأيتُ أنَّ هذه الجملة المباركة تكرَّرَت في عدد من الآيات القرآنية، وقد جاءت بصيغة ضمير الغائب، وليس فيها تَصريح بلفظ الجلالة، فما هو سرُّ هذا التعبير؟

والجواب على ذلك، أنها:

1- تذكِّر بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا، وحسن أفعاله، وتشير إلى جماله وجلاله، وبديع صنعه في صفحات هذا الكون الفسيح؛ فكأنه يذكر ربه بلسان حاله قائلًا:

• لا إله إلَّا هو الخالِق البديع...

وهي تصفع كلَّ مَن يعجب به ويلهو، وكل مَن يعبده من دون الله تعالى، أو يتعلَّق به، وتناديه قائلة:

• هو هو، انظر إلى بَديع صنعه تعالى فينا، فما نحن إلَّا دلائل على جمالالله سبحانه، وبديع صنعه، فإيَّاك من الاشتباه...

وصدَق من قال:

عِباراتُنَا شَتَّى وَحُسْنُكَ وَاحِدٌ ♦♦♦ وَكُلٌّ إِلَى ذَاكَ الجَمَالِ يُشِيرُ

ورحم الله الأستاذ بديع الزمان عندما قال:

"هذا الكون بذاته برهان عظيم؛ فكل ذرَّات الكون، وحجراته، وأركانه، وأعضائه، لسان ذاكِر يلهج مع ذلك الصَّوت المدوِّي بـ : ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾.

في تلك الألسنة تنوُّع، وفي تلك الأصوات مَراتب، إلا أنها تَنطلق معًا بـ : ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾.

هذا الكون إنسان أكبر..

يذكر ربه بصوتٍ عال، والأصوات الرقيقة لأجزائه وذرَّاته كلها تدوِّي مع ذلك الصوت الهادر: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾.

نعم، إن هذا العالم يَتلو آيات القرآن في حلقة ذِكر عظيمة، وهذا القرآن المشرق المنور يترنَّم مع ذوي الأرواح كلها بـ: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾.

فإذا ما ألصقت الأذن بصدر هذا الفرقان، ستَسمع من أعمق الأعماق صدًى سماويًّا صريحًا ينبعث بـ : ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾".

2- أو يقال: هذه الصيغة جاءت تعظيمًا له سبحانه وهيبة منه.

وقد قال الشاعر في حب دنيوي:

أُحِبُّ حَبِيبًا لَا أُسَمِّيه هَيْبَةً ♦♦♦ وَكَتْمُ الهَوَى لِلقَلْبِ أَنْكَى وَأَنْكَأُ

فكيف إذا كان هذا الحب متوجهًا نحو الخالق العظيم؟

3- أو أنها جاءت تعلِّمنا الحياءَ من جلاله.

‏وصدق من قال:

وبي مَن لا أسمِّيه حياءً ♦♦♦ بحكم حضورِه فهو الرَّقيبُ

4- كما أنها تشير إلى شدَّة معرفته سبحانه عند المخاطبين.

وسوم: العدد 675