الانتقام الرباني

في أحد أيام الشتاء البارد انطلقت المآذن بقراءة القرآن بشكل كثيف على غير العادة واستمرت أياماً.

توقعنا أن يكون الزعيم قد مات, فمن الواضح أن أمراً جللاً قد وقع, فقراءة القرآن المستمرة بهذا الشكل غير مألوفة ولاتحصل إلا عند وفاة الشخصيات المهمة, وخشينا أن يكون الرئيس مات مقتولاً, لأنه سوف يحلُّ الانتقام بنا, ولكن هذا الأمر لم يحصل!

على العكس من مخاوفنا فإن أمور السجن مالت إلى الهدوء, وخفَّت شراسة الشرطة, وبقي اللغز قائماً أكثر من شهر حتى استُدعي أحد المساجين في أمر ما وعاد يحمل الخبر... إنه الباسل.. رئيس المستقبل, وهنا انحل اللغز.. لكنه كان مفاجأة كبيرة لم تكن في حسبان أحد.

كان ذلك في 12 كانون الثاني, في نفس يوم اعتقالنا أنا وأخي, فهل كانت هذه رسالة من رب الأرباب, ومن المنتقم الجبار, أن سيكتوي الظالم بنفس النار التي كوى بها شعبه؟ وهل كانت رسالة خاصة إلى أمي أو أبي, مفادها أن الذي انتزع ولديكما من بين أيديكما.. هأنذا أنتزع من بين يديه فلذة كبده في نفس اليوم بالضبط وبعد ثلاثة عشر عاماً؟

صارت تدور الخواطر برأسي عن هذا الدرس العظيم الذي لقنه رب العالمين للبشر, فحين عجز العباد، وغلبوا على أمرهم, وحسب فرعون أن لن يقدر عليه أحد, وحسب أن لم يره أحد, وقال يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري, وظن الجهول أنه سحق شعبه وخرج من المعركة ظافراً ناجياً دون أن يطاله أحد... وعينه تتطلع إلى ولي عهده وتهيئته لتسليمه مقاليد العرش ... أتاه أمر الله بلمح البصر من حيث لا يحتسب, وأصابه في مقتله, في عقر داره وبأغلى ما يملك.. فانتقم منه بأهون الأسباب, وأذاقه مما أذاق الناس, فيا سبحان المنتقم الجبار, الذي يمهل ولا يهمل, ومن إذا أراد شيئاً إنما يقول له كن فيكون.. وصرت كلما قرأت الآية "أليس الله بعزيز ذي

انتقام" أقف عندها ملياً وأقول "بلى يارب.. سبحانك.. عزيزٌ ذو انتقام".. وما يعلم جنودك إلا أنت..

وسوم: العدد 676