للفساد أسباب ثلاثة :( تابع 3 )

  2 ـ أسباب أسرية أو عائلية

يقول الله سبحانه وتعالى [ يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدو لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم  إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم ] ( التغابن آية 13ـ 14 )  وقوله [ واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم ] ( الأنفال آية 28) وقوله : [ يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أمولكم وأولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ] ( المنافقون  آية 9 ) من خلال هذه الآيات يبدو أن الباعث والداعي إلى الفساد هو حب الأولاد والأموال وحب إرضاء الزوجة ، هذا ـ الحب المادي هو في الواقع اختبار وابتلاء وفتنة من الله ليعلم كيف نتصرف في طاعته ، فيما أمر وفيما نهى  ، وأي فشل في هذا الابتلاء يؤدي إلى الانحراف عن المنهج الذي رسمه الله سبحانه وتعالى لعباده  ويصرف الإنسان عن طاعة الله ورسوله ويوقعه في المعاصي . إن هذا الفشل والسقوط هو  العامل الأساسي ، الذي يدفع الراشي والمرتشي إلى الاشتغال بالرشوة ، لتوفير حاجيات الأولاد  والزوجة ، التي لا حد لها ،  خصوصا إذا كانت امرأة مادية ، تعشق الأخذ دون العطاء وتحب جمع الأموال والمجوهرات  والهدايا ، بلا شبع ولا قناعة و بدون الاهتمام بما سوى ذلك وتتلذذ بالسفر والتجوال  وبشراء الجديد من الأثاث ، والرغبة في تغييره وتجديده  باستمرار ، والسعي إلى امتلاك الأشياء الترفيهية والكمالية  واقتناء الثياب والحلي الفاخرة والماركات الجديدة من السيارات والإقامة في الفيلات والسكن في الأحياء الراقية ، وتطالب دائما بالمزيد بما هو زائد على توفير متطلبات النفقة العادية عليها وعلى الأولاد ، فإذا عجز الزوج لضائقة مادية أو لخلل في مداخله المالية ، أو تردد في الاستجابة لمتطلبات الزوجة ، التي تفوق إمكانياته المادية ، هددته بالانفصال أو الطلاق وحولت حياته إلى جحيم لا يطاق وألبت عليه الأولاد . وإذا أراد أن يقوم بعمل صالح أو نفقة مرضاة لله عارضته الزوجة  وغضبت وأزبدت وأرعدت وأقامت عليه الدنيا ، وحرضت الأولاد على المطالبة بالزيادة في النفقة ، لأنها تريد أن ينفق  المال عليها وعلى أولادها ، بحجة أن أباهم يضيع المال فيما لا ينفع بدلا من النفقة عليها وعلى أولادها .  فهي ترى أنها وأولادها أولى بالمال من غيرها سواء كان هذا الآخر ، أم  فقيرة أو يتيم لا كفيل له أو معوز محتاج لا دخل له أو مشروع خيري ينتفع به  ... وتحت هذا الضغط النفسي والإلحاح المتكرر ،  الذي لا يعرف الانقطاع أو الملل من الزوجة والأولاد ، يجد الزوج نفسه مضطرا ومكرها على توفير ما يطلب منه ، وإن لم يفعل ، فإن علاقته مع أسرته ستسوء وربما تعرضت الأسرة إلى التفكك والانحلال وربما اتهم بالبخل والتقتير وإهمال الأسرة من طرف عائلة الزوجة ، وخوفا على سقوط سمعته ومكانته الاجتماعية داخل محيطه الاجتماعي وإرضاء لزوجته وعائلتها وأولاده ، ينسى أمر ربه ونواهيه فيندفع إلى اقتحام عالم الكذب والشهوات والنصب والاحتيال وخيانة الأمانة والكفر بالمبادئ  وتجاوز حدود المنهج الذي رسمه الله سبحانه وتعالى  ... يقول الرازي : { فلما كان الداعي إلى الإقدام على خيانة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم هو حب الأموال والأولاد ، نبه تعالى أنه يجب على العاقل أن يحترز عن المضارة المتولدة من ذلك الحب فرب عدو يلبس ثياب الصديق } .  ويقول سيد قطب رحمه الله { كلمة فتنة تحتمل معنيين : الأول : أن الله يفتنكم بالأموال والأولاد بمعنى يختبركم فانتبهوا لهذا ، واحذروا وكونوا أبدا يقظين لتنجحوا في الابتلاء وتخلصوا وتتجردوا لله كما يفتن الصانع الذهب بالنار ليخلصه من الشوائب . والثاني : أن هذه الأموال والأولاد فتنة لكم توقعكم بفتنتها في المخالفة والمعصية ، فاحذروا هذه الفتنة  لا تجرفكم وتبعدكم عن الله } .

إن هذه العينة من الأسرة ، هي عدو لذود تظهر المحبة  وتخفي العداوة ولذلك لا ننتبه إليها وهي التي تتسبب في الدفع إلى إفساد الدين والدنيا وحصول الإثم والعذاب بسبب أكل أموال الناس بالباطل عن طريق الرشوة والسرقة والربا والغصب والنصب والغش والاحتيال وخيانة الأمانة وأكل أموال اليتامى ظلما وبلا سبب ... فأي وسيلة أو طريقة مخالفة لمنهج الله سبحانه وتعالى يكسب أو يحصل بها على جمع المال ، الذي في أيدي الناس هي محرمة قطعا ، لأنها مخالفة للوضع الطبيعي لتداول المال بين جمع أفراد المجتمع . إن المال المحصل عليه من هذه الطرق التي حرم الله ، هو حرام ، يستحق صاحبه النار وسيحاسب عليه حسابا عسيرا ويعذب بسببه عذابا أليما لقوله سبحانه وتعالى : [ يا أيها الذين آمنوا لا تاكلوا أموالكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم أن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكلن ذلك على الله يسيرا ] ( النساء آية 29ـ30 ) وقوله سبحانه وتعالى : [ إن الذين ياكلون أموال اليتامى ظلما إنما ياكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ] ( النساء آية 10 ) وعند ذك فقط تبدو له الزوجة عدوة ، لأنها هي السبب في المعصية وأنه لم ينتبه إلى هذه العداوة في حينها فجاء التحذير منها من الله سبحانه وتعالى ـ حتى ليكون له عذر عند ربه ـ [ واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم ] ( الأنفال 28 )  ( يتبع )

وسوم: العدد 676