تركيا ... الإنقلاب على الإنسان
حدث ما حدث في تركيا ، وكانت ليلة رهيبة ، عاشها الناس بتفاصيلها واحداثها ثانية بثانية ، والمتابع العادي والمحلل السياسي والإنسان المتعلم والجاهل كلهم يدركون ان هناك مؤامرة واضحة كالشمس ، وان هناك حملة مسعورة دولية وإقليمية ضد تركيا ، فهل كان المقصود من الإنقلاب القضاء على أردوغان بشخصه ؟
إنه انقلاب على الإنسان ، مسلم وغير مسلم ، رجل وامرأة ، متدين وعاصي ، محجبة وسافرة .. الإنسان الذي كرمه الله بالحرية والكرامة .. ليعيش في الذل والهوان وعبودية العسكر ، وتبقى الشعوب تحت أنظمة الإستبداد والديكتاتورية حيث عبودية الإنسان للإنسان .
إنه انقلاب على الإنسان الذي كرمه الله بالعقل والإدارك ، فانفرد عن باقي الكائنات الحية بنمط التفكير وأسلوب الحياة ، واستغل الارض والسماء من أجل معيشته ورفاهيته وسلامته ، ليصبح كالبهيمة التي تأكل وتشرب ولا تفعل شيئا ، بل هي خير منه .
إنه انقلاب على الإنسان الذي كرمه الله بالعلم والتعلم والفكر والتفكير .. ليعيش في ظلام الجهل ، وتخبط الفوضى ، وعدم الإستقرار والانقياد لغيره كالبهيمة .... فالإنسان المتعلم والفاهم والواعي ليس له وجود لدى أصحاب الاستبداد ، ومحاربي الديمقراطية ، ولذا يحاربون الشعب بالدبابات والطائرات ، ولا يحاورونهم أو يناقشونهم الحجة بالحجة .. وإنما يريدون محو كل علم أو معرفة مستقرة في رأس وعقل الشعب .
إنه انقلاب على الإنسان الذي كرمه الله بالألفة والتآلف والإجتماع والوحدة ، ليتفرق الشعب ، ويتشتت المجتمع ، وتتناحرالقلوب ، وتهلك الدولة بيد ابنائها ..
إنه انقلاب على الإنسان الذي كرمه الله بالعدل ، عدل النفس ، وعدل الوظيفة ، وعدل المجتمع ، وعدل الدولة .. والسلام ، سلام النفس ، وسلام المجتمع والسلام العالمي .. لكي تكون حياة الإنسان تحت ضربات وطعنات الظلم والحروب والدمار والقتل والنهب والسرقة والاغتصاب والتحرش ، فالغرب لا يريد أن تكون منطقة البلقان والدول العربية في سلام وهدوء بل في حالة غليان وفوضى .
إنه انقلاب على الإنسان لمجرد أنه إنسان .. مهما كان شكله ولونه ولسانه وجنسه وحجمه وعمره ومركزه ..
إنه ليس انقلابا على أردوغان ، ولكنه انقلاب على الجذور والميول الإسلامية التي يتنفسها الشعب التركي ، فتركيا فيها كل مايريده الغرب ، وما يتمناه العلمانيون العرب من التحرر، حيث الحكم باسم العلمانية ، والحجاب والسفور اختياريا ، وأسباب الفساد والفواحش متوفرة ، ومع ذلك لا يعجبهم ، وغير راضين " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم " . إنهم يخافون من هذه الوجوه المتوضئة الراكعة الساجدة .. التي سجدت لله وركعت بدلا من الرقص والغناء ...
إنه ليس انقلابا على أردوغان ، ولكنه انقلاب على الأخلاق والقيم وفعل الخير والنخوة والمروءة والشهامة ، لينتشر الفساد الإداري والأخلاقي والإعلامي ، وتنعدم القيم ، وتتبجح الرذيلة علنا ، ويعم الفساد ، وتفسد أخلاق الرجال والنساء .
إنه انقلاب على الإقتصاد القوي والسياسة الحكيمة التي تسير بها تركيا ، فقد سددت تركيا ديونها كلها في البنك المركزي ، " فلم تجدد تركيا في عام 2008 اتفاقية "ستاند باي" المبرمة منذ عام 1961، والتي أخذت بموجبها 56.5 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وسدّدت كامل أقساط الديون المترتبة عليها. وغدت في عام 2011 الثانية في النمو الاقتصادي على صعيد العالم بعد الصين ، وبلغ النمو الاقتصادي 8.8% في حين كانت الأزمة الاقتصادية تهز أوربا في ذلك العام، وأما في عامي 2012 و 2013 ازدادت نسبة النمو 2.1% و4% على التوالي . وارتفع عدد المطارات وعدد المسافرين، ففي حين كان عدد مطارات تركيا 26 ارتفع ليصبح 52 مطاراً، وحيث لم يتعد عدد المسافرين في عام 2002 الـ36 مليون ارتفع ليصل إلى 150 مليوناً في عام 2013. وحسب إحصائيات صندوق النقد الدولي، احتلت تركيا في نهاية عام 2013 المرتبة السابعة عشر على العالم في قائمة أكبر اقتصادات العالم والسادسة في أوروبا." ( تقرير ترك برس عن الاقتصاد في عهد أردوغان 28 أغسطس 2014)
انه انقلاب على الاقتصاد لترجع الى الفقر والتبعية وطأطأة الرؤوس هنا وهناك .
إنه انقلاب على السيادة والإستقلال وعدم التبعية للغرب أو للشرق ، والرجوع بتركيا الى عهد المكاتب الأمنية الأمريكية التي كانت هي تكتب قرارات الحكومات التركية ، وما على الحكومات التركية إلا الإذعان والإنصياع والتبعية ، وفي التسعينات كانت تركيا ساحة حرة لعملاء الموساد الاسرائيلي ، يدخلون ويخرجون كيفما شاؤا ومتى شاؤوا ..
إنه انقلاب على البحث العلمي ، حيث يوجد أكثر من ستين مركزا للأبحاث العلمية المختلفة سياسية واقتصادية وفكرية وحقوقية ، وثقافية واجتماعية ، وبالتالي انقلاب على الوعي وروح التقدم .
إنه انقلاب على التطور الصناعي والنهضة العلمية والتقدم الحضاري والتنمية الشاملة لكافة عناصر المجتمع التركي ، ولذا جن جنون أوربا وأمريكا وروسيا من هذا التقدم الهائل والإكتفاء الذاتي .
إنه ليس انقلابا على أردوغان ولكنه انقلاب على الملايين من السوريين اللاجئين الهاربين من بطش ونيران طاغوتهم الذين استقبلتهم تركيا .. مقدمة لهم كافة الخدمات والرعاية ، ليعودوا الى بلادهم ليموتوا .. لقد غاظ قوى الاستخراب وهيئة الشر المتحدة وجود الشعب السوري على قيد الحياة بعد كل هذه النيران والبراميل والصواريخ والقنابل والدمار ، إنهم يريدون تدمير الشعب السوري ومحوه عن الأرض .
إنه انقلاب على الوجود التركي .. وانقلاب على غزة .. وانقلاب على الشعب السوري .. وانقلاب على العلاقات التركية السعودية .. وانقلاب على المهاجرين من كافة أنحاء العالم .. وانقلاب على الإنسان في كل مكان ..
إنه انقلاب الشيطان فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم .
وسوم: العدد 677