الحركات الإسلامية لماذا التأخر؟ فوقت السوريين من دم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله:
اعتدنا على الحركات التي عملت في بلاد الشام أن تقوم بعدد من المراجعات الفكرية للحركة أو التنظيم، ومن نتائج هذه المراجعات هو الرجوع عن بعض الأفكار التي كانت متمسكة بها، والرجوع فيه خير لأمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكما يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه (الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل).
وقد رأينا عدداً من المطالبات من المفكرين أو القيادات المجتمعية والسياسية أو المجالس أو الثوار لهذه الحركات في الشأن السوري لكنها لم تلقَ أذناً صاغية أو كانت الاستجابة تأتي متأخرة بعد التجربة بحجج عديدة؛ ويشوب هذه الحجج نظرة عدم الثقة والخوف وأحياناً الاستعلاء والتخوين. وسأتكلم عن ثلاث حوادث في الثورة السورية جاءت الاستجابة فيها متأخرة أو لم تلقَ الإجابة مطلقاً وكانت هذه الحوادث مما عاينته وخبرته أو شاهدته وشاهده الكثير من أبناء الثورة السورية:
الحادثة الأولى: عند تحرير حلب أواخر عام 2012 ثار جدل كبير حول اعتماد قانون موحد يكون مرجعية للقضاة في الهيئات الشرعية والمجالس القضائية في سوريا الحرة وعقدت جلسات تشاورية كثيرة وقد حضرت العديد منها إلى أن تم اعتماد القانون العربي الموحد كمرجعية للقضاة، ولكن لم تعتمده عدد من القوى الإسلامية بحجة أنه قانون والتقنين حرام أو أنه من الائتلاف – مع أن الائتلاف لا علاقة له به- وثار جدل كبير، وكانت هناك مناقشات مع عدد من القيادات الإسلامية لإقناعهم، وبعد حوالي سنتين تقريباً قررت بعض الحركات الإسلامية الرافضة له اعتماده في محاكمها وذلك بعد أن عاينت أن مفسدة عدم الاعتماد على قانون أكبر من الاعتماد على قانون إسلامي ومن نتائج هذا التأخر حدوث مظالم كثيرة في الدماء والأموال واختلاف الأحكام القضائية والتفرق وعدم التوحد، ولو تم توحيد الكلمة في اعتماده مبكراً للاقى هذا المشروع رواجاً كبيراً لا يمكن تجاوزه.
الحادثة الثانية: التي لا تزال مثار جدل إلى يومنا هذا هي اعتماد دستور قادم للبلاد في المرحلة الانتقالية، وثار هذا الجدل حول اعتماد دستور نهاية عام 2012 م أي دستور يمكن اعتماده في المرحلة الانتقالية لسوريا، وكانت هناك أصوات كثيرة حول اعتماد دستور 1950 م وذلك لأن هذا الدستور جاء متوازناً لتوجهات الشعب المختلفة وملبياً لطموحاتهم، وكذلك ظهرت حركة رفض واضحة لهذا الدستور بحجج عديدة منها أنه ليس إسلامياً- مع أن هذا الدستور -وقد درستُه مادة مادة- يشير إلى مرجعية الشريعة الإسلامية في عدد من بنوده- اليوم ونتيجة هذا التأخر وعدم الاتفاق فقدت الثقة في الثورة السوية لعدم اتفاقها على مطالب واحدة وكان هذا من مصلحة النظام المجرم وأقول لو خرجنا بنتيجة لأن يكون هذا الدستور دستوراً للبلاد في المرحلة الانتقالية لكان نصراً لنا .
الحادثة الأخيرة: وهو الحدث الحالي وهو موضوع فك ارتباط جبهة النصرة عن القاعدة فمنذ سنتين تقريباً كان هناك تجييش واضح ومطالبة من جميع القوى الثورية والإسلامية والسياسية من أجل فك تنظيم النصرة عن القاعدة، وتوجهت النصائح ليس على المستوى السوري بل على المستوى العالمي لفك الارتباط؛ ففيه الخير لجبهة النصرة وللثورة السورية ولكن رفضت جبهة النصرة كل هذه المطالب، واليوم تتجه جبهة النصرة لهذا الإعلان وفيه الخير إن شاء الله .
ولكن السؤال لقيادة الحركات الإسلامية ولا أخص النصرة لماذا التأخر في الاستجابة لهذه المطالب والوقت لا يحتمل؟ لماذا لا تستمعون إلا لمن كان داخلاً في الحركة تنظيمياً؟ ولا تتراجعون إلا بعد التجربة؟ ولا تستمعون للنصائح من خارج الحركة مع أن الدين النصيحة؟ لماذا اعتدنا منكم على سماع عبارة "المراجعات الفكرية" ولا نرى منكم خطة مستقبلية لبناء دولة عصرية متميزة ؟ .
فلا بد لقيادة هذه الحركات من الاستماع للذين هم خارج الحركة من المفكرين الثقات الأمينين وليس بالضرورة الاعتماد على مفكري الحركة فقط، وتقويم الحركة كل فترة وتقويمها من الخارج، وإعادة التلاحم بين الحركة والحاضنة الشعبية والاستجابة لمطالبهم، فلن تنجح حركة منفصلة عن حاضنتها الشعبية، ولعل من أهم الأمور التي يجب الابتعاد عنها هو الابتعاد عن لغة التخوين والمزاودات الدينية فجميع المسلمين يبتغون تطبيق شرع الله ولكن الوسيلة والطريقة قد تختلف من حركة إلى أخرى، والخروج من الفصائلية الضيقة والانتمائية المقيتة والحركية الحزبية إلى حركة منظمة عامة تسعى لاستيعاب الشباب المسلم ولا تجعل العمل الإسلامي حكراً عليها وحدها، ومراعاة تنوع المجتمع وثقافته وطبيعته والمرحلة التي نعيشها ومتطلباتها والاستجابة لمتطلبات المجتمع.
وسوم: العدد 678