في الكمال الإنساني
كان من نعم الله على البشرية ان جعل خاتم انبيائه محمداً صلوات الله وسلامه عليه أسوة حسنة للمؤمنين, وأن جعله بشراً رسولاً, يضطرب في الارض ويتقلب في الساجدين, ويقوم مثالاً للكمال الانساني, تتنوره العقول وتتأسى به الأنفس وتستمد الارادات من سيرته العطرة عزائمها.
لم تكن التجربة المحمدية ذات طابع مختبري (امبريقي) معزولة عن الواقع الانساني ولا كانت تجربة محلقة في فضاءات التنظير, ولكنها كانت تجربة - على ابعادها الروحية المؤكدة - ارضية يمكن احتذاؤها والنسج على منوالها, ولعلها - بما هي خاتمة الرسالات - ان تكون الانموذج الهادي والامكان القائم دائماً لترشيد الحياة وتزكيتها وارسالها في الكون الواسع على هدى وبصيرة بمقتضى ما انزل الله من قرآن وميزان..
من اجل ذلك ارتبط فهم القرآن الكريم بما هو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, بفهم وقائع السيرة النبوية المشرفة. وصار لزاماً على من يقرأ القرآن ان يقرأ في الوقت نفسه النبي الكريم الذي كان «قرآنا يمشي على الارض» و»كان خلقه القرآن» كما ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها, وكانت مكابدته عليه صلوات من ربه وسلام روحية وواقعية في آن, ورسمت للانسانية طرائق كرامتها وسعادتها.
إن من يدّعون انهم «قرآنيون» دون أن يكونوا «محمديين» انما يقعون في مغالطة كبرى وضلال بعيد. ولعل دعواهم هذه ان تكون بعضاً من كيد كُبار عريض يكاد به الاسلام, وأن يكون لها اسوأ الاثر في حياة المسلمين.
على ان مما نطمئن اليه ان هذا الكيد مدفوع وان ما ينفقونه فيه سيكون حسرة عليهم, وأن هذا الذكر سيظل محفوظاً بحفظ الله سبحانه وتعالى له. وأن العاقبة, مهما تكاثفت الظلمات, للنور المبين الذي تنزّل على مثال الكمال الانساني سيدنا الرسول الكريم الذي كان رحمة للعالمين.
وسوم: العدد 678