من هم الأغوات وما هي صفاتهم ؟
الحمد لله حمدا كثيرا يوافي نعمه ، ويكافيء مزيده، ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك . وأصلي وأسلم على البشير النذير المبعوث رحمة للعالمين وعلى الآل والصحب أجمعين وعلى من اتبع هديهم وسار على شرعهم إلى يوم الدين .
أشكر راعي المنتدى الشاعر : الشيخ خالد النعمان على مقدمته وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنه ... اللهم اغفر لي ما لا يعلمون ، ولا تؤاخذني بما يقولون ، واجعلني خيرا مما يظنون ... اللهم ذكرني ما نسيت ، واحفظ علي ما علمت ، وزدني علما .
وبعد : لقد سبق لراعي هذا المنتدى الشيخ خالد النعمان حفظه الله تعالى محاضرة سابقة : بعنوان ( المسجد النبوي في عيون الرحالة ) تحدث فيها عن رحلة الرحالة (جون لويس بيتر تهارث ) والتي كانت في تاريخ عام 1229 للهجرة الموافق 1814 م . تحدث فيها الرحالة المذكور عن الأغوات في الحرمين الشريفين باختصار شديد . وبعد المحاضرة رغبت إلى أخي خالد النعمان أن يأذن لي بتعليق عن الأغوات بما لا يزيد عن خمس دقائق . ولكنه طلب مني ورغب إلي في أن يكون ذلك في محاضرة مستقلة في أمسية خاصة عن الأغوات ولم أكن في حينها مقتنعا بذلك . ولكنه أكد علي ذلك أكثر من مرة وشجعني بأن يكون شريكا لي في هذه الأمسية . ولما كنت لا أستطيع مخالفته نزلت عند رغبته حيث أن مشاركته لي في هذه المحاضرة تشد عضدي وتقوي من عزيمتي وتسد من تقصيري .
من هم الأغوات وما هي صفاتهم :
1 _ أصل كلمة آغا :
(( لفظ آغا أعجمية مستعملة في اللغات التركية والكردية والفارسية فعند
الأكراد تطلق على شيوخهم وكبارهم وتطلق عند الأتراك على الرئيس
والسيد وتطلق في الفارسية على رئيس الأسرة . وصارت كلمة آغا أيام الدولة العثمانية تطلق على الشيخ أو السيد أو صاحب الأرض ورئيس خدمة البيت وكان كثير من خَدمة الحكومة في الوظائف العسكرية يلقبون بكلمة آغا وكانت تطلق أيضا على الخصيان الخادمين في القصر ... وفي مكة والمدينة لفظة خاصة بخدمة الحرمين الشريفين )) .
2 _ تاريخ الأغوات :
يعود تاريخ الأغوات إلى عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فهو أول
من وضع خداما للكعبة المشرفة من العبيد وأول من اتخذ الخصيان لخدمة الكعبة هو يزيد من معاوية ويرى رفعت باشا أن أول من رتب الأغوات في المسجد الحرام هو أبو جعفر المنصور أما أغوات الحرم النبوي الشريف فيعود تاريخهم إلى زمن الملك الناصر صلاح الدين بن أيوب فهو أول من عين خصيانا لخدمة المسجد النبوي الشريف . وتشير روايات أخرى إلى أن ظاهرة الأغوات عرفت لدى عدد من القبائل الحبشية التي كانت تخصي أبناءها وتقدمهم هدية للحرمين الشريفين لخدمتهما وأصبح البحث عن الأغوات يتم عن طريق العاملين في الحرمين الشريفين . فعندما يسافرون إلى الحبشة يكلفون بالبحث عن أناس تنطبق عليهم مواصفات الأغوات ، وعند حصولهم على مخصي يخبرون به شيخ الأغوات ليقوم بعد ذلك بالرفع عنه حتى يتم اعتماده رسميا للعمل في أي من الحرمين الشريفين في مجالات التنظيف والترتيب وتفريق النساء عن الرجال وفي الحرم النبوي يقومون بتصريف النساء عند إغلاقه .
3 _ لباس الأغوات :
ظل الأغوات على مر العصور يتميزون بزي معين فقد وصفهم ابن بطوطه في رحلته قائلا إن الأغوات على هيئات حسان وصور نظاف وملابس ظراف وكبيرهم يعرف بشيخ الحرم وهو في هيئة الأمراء الكبار . وفي أيام الدولة العثمانية كان الأغوات يلبسون عباءات استانبولية وأثوابا واسعة مطرزة مشدودا عليها حزام ويحملون في أيديهم عصيا طويلة ويضعون على رؤوسهم غطاء ويقال إن السلطان سليمان القانوني هو الذي رتبهم على هذا الوضع في القرن السادس عشر الميلادي أما لباسهم اليوم فيتكون من رداء يسمى الرجبة ورداء يوضع على الكتف يسمى الحزام وغطاء يوضع على الرأس يسمى القاووق .
وفي القديم كانوا يشددون في الزي فالآغا في القديم لا يلبس ثوبا وزرار رقبته مفتوحة ومن فعل ذلك يعاقب بالضرب وكانوا يلبسون الساعة أو الخاتم و لا يمسكون الشمسية أما لباسهم اليوم لا يزيد على ما وصفنا آنفا . ويتميز الأغوات على بعضهم البعض بشارات وعلامات حسب رتبهم وتظهر هذه العلامات في الزي الذي يرتدونه فالخبزية يضعون على رؤوسهم شاشا مصنوعا من القصب يسمى ( فرخ يشمك) يلفون به الطربوش (القاووق ) والذين يرتدون هذا الزي هم كبار الأغوات من درجة خبزي فما فوق . كما يمكن التمييز بين درجات الأغوات ومراتبهم بواسطة استعمال الشال : (حزام من صوف ) على كيفيات معينة فمن كان منهم في درجة الخبزية فما فوقها فإنه يضع الشال على الكتف ومن كان دون درجة الخبزية فإنه يربط الشال في وسطه . وتحت الرداء ( الرجبة أو الفرجية ) يلبسون الثوب والكوت أو السديرية والسروال الطويل وهذا الزي الذي يظهر فيه الأغوات هو زي العمل وبعد انتهاء العمل وعودتهم إلى بيوتهم فإنهم يلبسون الملابس المعتادة وللأغوات مراتب أعلاها رتبة شيخ الأغوات وهو ناظر أوقافهم والمسؤول عن سير أعمالهم .
4 _ الالتحاق بسلك الأغوات :
يشترط في الذي يريد الالتحاق بسلك الأغوات أن يكون مخصيا وأن يقبل تطبيق نظام الأغوات عليه وأن يرابط في الحرم مدة سبع سنوات متواصلة بناء على جدول المناوبة للأغوات وأن يؤدي واجبه على أكمل وجه وأن يطيع أوامر
رؤسائه وأن يتمتع بصحة جيدة ... وفي السابق كان البحث عن الذين تتوفر فيهم الشروط المذكورة يتم عن طريق الأغوات الذين يسافرون من أجل هذه المهمة فإذا وجدوا من تتوفر فيهم الشروط فإنهم يخبرون به شيخ الأغوات فيكتب بشأنه إلى المقام السامي فيأمر وزير الحج والأوقاف بتعيينه ومنحه الجنسية السعودية ويتم إحضار الآغا عن طريق السفارة السعودية وبعد قدومه يجري عليه الكشف الطبي . ويعرّف بالنظام الذي يحكم الأغوات ثم يرفع ملفه إلى وزارة الحج والأوقاف وأما في الوقت الحاضر فلا يقبل استقدام أغوات جدد بناء على أوامر سامية وآخر آغا تعين بهذا المنصب كان سنة 1399هـ وعدد الأغوات في الوقت الحاضر أربعة عشر آغا في الحرم المكي واثنا عشر آغا في الحرم المدني الشريف .
5_ الأغوات في ظل العهد السعودي :
لقد حظي الأغوات في العهد السعودي برعاية كريمة وتقدير كبير لما يقومون به من خدمة جليلة في الحرمين الشريفين . وقد بدأ اهتمام الدولة بالأغوات مع بداية العهد السعودي حيث في سنة 1346هـ صدر مرسوم ملكي من صاحب الجلالة الملك عبد العزيز رحمه الله نصه ' فبخصوص أغوات الحرم المكي فهم بأمورهم الخاصة على ما كانوا عليه ولا يحق لأحد أن يعترض عليهم أو يتدخل في شؤونهم. وبعد وفاة الملك عبد العزيز رحمه الله أيد الملك سعود تقرير والده بتقرير ملكي برقم 35 وتاريخ 4/3/1374هـ وهذا نصه ' أننا نقر أغوات الحرم المكي أن يبقوا على الترتيب والعادة التي يسيرون عليها في أمورهم الخاصة وألا يتعرض لهم في هذه الأمور أو يتدخل في هذه الشئون أحد ' ... ويذكر الأغوات أن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد رحمه الله كان يرسل إليهم كل عام مكرمة ملكية ومشالح تصلهم عن طريق الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف . فالدولة تصرف لهم مرتبات كافية إضافة إلى عوائد الأوقاف التي توزع عليهم بالتساوي . وأوقافهم منتشرة في مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والطائف والإحساء ولهم أوقاف في العراق والمغرب واليمن وهي تدرّ عليهم مداخيل كبيرة تجعلهم في رغد من العيش ....
6_ وظائف الأغوات :
في السابق كان الأغوات يقومون باثنين وأربعين وظيفة في الحرمين الشريفين منها غسل المطاف وتنظيف الحرمين من فضلات الحمام وإنارة القناديل وغير ذلك من الأعمال . أما في الوقت الحاضر فقد انحصر عملهم في ثلاثة وظائف هي : 1. المشاركة في استقبال الملك و الوفد المرافق له .
2. خدمة ضيوف الدولة من رؤساء ووزراء وغيرهم من المرافقين والتابعين حيث يفرشون لهم السجاد ويقدمون لهم ماء زمزم .
3. فصل النساء عن الرجال أثناء الطواف ومنع النساء من الطواف بعد الأذان . وفي المسجد النبوي الشريف يقوم الأغوات بتنظيف الحجرة النبوية وفتحها للضيوف عند الحاجة واستقبال ضيوف الدولة عند باب السلام ومرافقتهم وملازمتهم إلى أن يغادروا المسجد النبوي الشريف .
7 _ ماذا تعرف عن الأغوات ؟
لم يتبق منهم في المدينة المنورة سوى عشرة فقط أصغرهم سنا في الستين من العمر هم «الأغوات» الذين تلحظهم يتجولون ليلاً ونهارا في أرجاء المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي الشريف وقد سخروا أنفسهم لخدمتهما.. ويظل الأغوات «لغزاً» يتطلع الكثيرون لسبر أغواره . اكتسب الأغوات من المسجد النبوي وأجوائه الروحانية وقارا وحكمة في هدوء لافت .. فهم لا يتكلمون كثيراً تأدباً في حضرة المكان .. وعلى «دكة الأغوات» التي تقع في جانب من الحرم تراهم يجلسون جلوساً «متأهباً» مرتدين عمائم بيضاء وشالات ملونة وأحزمة تلتف حول خصورهم واضعين أنفسهم رهن الإشارة إذا ما احتاج الأمر إلى تقديم خدماتهم داخل المسجد النبوي و الحرم المكي .
8 _ شيخ الأغوات :
رغم توافق مواصفات «الأغوات» إلا أن أعمالهم تختلف من شخص لآخر. فلهم رئيس يسمى بشيخ «الأغوات» ويأتي بعده (نقيب الأغوات) وهو الذي يخلف شيخ الأغوات بعد موته ثم يأتي بعد ذلك (أمين الأغوات) ويليه مباشرة (مشدي الأغوات) ومن ثم (الخبزي) ومن بعده يأتي (نصف خبزي) ثم (شيخ بطّال) : ودوره معاقبة المخالفين في عملهم وكان في السابق يجلد المخطيء ، وقد تم إلغاء هذه العقوبة بعد أن أصبحوا موظفين رسميين . ثم يأتي بعد ذلك (ولد عمل) ثم يأتي أخيراً (المتفرقة) ، وهي آخر مرتبة لسلم الأغوات ، والخمسة الأوائل يسمون (خبزية) وهم المشرفون الذين يتولون الإشراف على توزيع عمل الأغوات ، وأقدم الأغوات يعين شيخاً عليهم وهو المسؤول عن أوقاتهم وسير عملهم في الحرم وبعد موت الشيخ يصبح النقيب شيخاً والأمين نقيباً ، وينوب النقيب عن الشيخ في حالة غيابه ويأمر كما يأمر الشيخ والناظر ...
و(مشدي الأغوات) هو الآغا : المشرف على أوقافهم إلى جانب الوكيل والأمين يأتي من بعد (الخبزي) .. .. والخبزية يضعون على رؤوسهم (شوشة) وهي عبارة عن شاش معمول من القصب يوضع على الرأس . وبذلك يكون الآغا
الذي لا يضع الشوشة على رأسه من صغار الأغوات ، أما نصف الخبزي فلا يضع شوشة على رأسه وإذا مات الذي قبله يُرقى الآغا إلى خبزي ويضع الشوشة على رأسه . وأما (شيخ بطال) فيصبح نصف خبزي إذا رُقي الذي قبله ويوزع العمل بين هؤلاء ويخبر الشيخ بالذي لا ينفذ أمره ليتولى معاقبته.. وأما (ولد العمل) فهو الذي ينام في الحرم طوال اليوم وبعد انقضاء سبع سنوات على هذا الحال يُرقى إلى (شيخ بطال).. ليتولى «المتفرقة» مكانه ويصبح «ولد عمل»... وتعني كلمة آغا في المدينة المنورة بالخصيان الذين يقومون بخدمة الحرم النبوي الشريف حتى أصبحت هذه الكلمة خاصة بهم ، وبرغم قلتهم إلا أنهم معروفون في المدينة المنورة ، ومنهم متزوجون بأكثر من زوجة ، وقد تقلص عددهم لأن القائمين على الحرم ، اعتبروا أن هذا الإجراء قد توقف لكي لا يشجعوا الناس على إخصاء أبنائهم فهي : عادة تعارض حقوق الإنسان وتعارض أحكام الشرع الإسلامي الحنيف أولا وأخيرا ... قال عبد الله بن مسعود : رضي الله عنه ( كنا نغزوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا شيء ، فقلنا ألا نختصي ؟ فنهانا عن ذلك ) . قال ابن حجر : هو نهي تحريم بلا خلاف في بني آدم . وقال سعد ابن أبي وقاص : رضي الله عنه ( ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا ) .
ولا خلاف بين العلماء أن خصاء الآدمي حرام صغيرا أو كبيرا لما فيه من تعذيب النفس البشرية وتشويهها ، مع إدخال الضرر الذي يفضي إلى الهلاك ، فضلا عما فيه من إبطال معنى الرجولية التي أوجدها الله فيه ، وتغيير لخلق الله فيه ، وكفر النعمة ، واختيار النقص على الكمال . وخدمة البيت الحرام والمسجد النبوي الشريف لا تقتصر على الخصيان بل غير الخصيان أقوى للخدمة من الخصيان .
وبسبب إغلاق المسجد النبوي ليلاً أصبحت لهم حارة تعرف باسمهم وهي التي يقطنون فيها بعد إغلاق المسجد . وعرف الأغوات بأعمال الخير ومنهم من عرف بالعلم والتفقه في الدين، وكان من بين (أغوات) المدينة المنورة من اشتهر بعمل الخيرات ومساعدة المحتاجين من الناس فمنهم من بنى المساجد والأربطة والمدارس في المدينة المنورة . ويبقى مسجد (الآغا) في حي قباء خير شاهد على ذلك ولا يزال المسجد موجوداً كما أوقف رباطا على الفقراء لا يزال يحمل اسم الأغوات . ويعرفون بغناهم المادي لكنهم لا يورثون ولا يحق لهم هبة أموالهم أو التصرف بها ، وبموتهم تنتقل ممتلكاتهم إلى الأوقاف . ولا نسل لهم ولا أولاد وتنقطع سلالتهم بموتهم ورحيلهم عن الدنيا ، والسبب أن أهاليهم قدموهم هدية للحرمين بعد خصيهم . وهل يحق لهم الزواج ؟ يحق للآغا الزواج، ولكن زواجه ليس للمتعة ولكن من أجل أن يجد امرأة ترعاه إذا مرض أو كبر في السن وترعى شؤون حياته . وغالبيتهم يتزوجون من الخارج ويحضرها معه للمملكة ويرعاها مع أولادها ويقوم بتربيتهم . ولكن ومع انحسار وتقلص عدد الأغوات وقرب نهايتهم وعدم قبول استقدام أغوات جدد بناء على أوامر سامية ... فهل للشباب السعودي الذي يبحث عن عمل أن يتقدم للقيام بأعمالهم ومهامهم .
9 _ حارة الأغوات:
تعتبر حارة (الأغوات) من أشهر الحارات في المدينة المنورة حيث يبدأ زقاق الحارة من أمام باب جبريل من الناحية الشرقية للمسجد النبوي ويتجه شرقاً إلى باب الجمعة في السور العثماني والذي كان يفضي إلى البقيع و قد كانت بيوت حارة الأغوات بشكل عام قديمة جداً مبنية من الطين والطوب وهي على ارتفاع دورين وثلاثة أدوار، وتحتوي حارة الأغوات على العديد من الأزقة منها : زقاق اللبان وزقاق الحبسي وزقاق سيدنا إسماعيل وزقاق مظهر وزقاق الخشب. كما كان يوجد فيها العديد من الأربطة كرباط مظهر ورباط البقر ورباط البدوي ورباط العرجة ورباط حواء ورباط المارداني ورباط خير الله ، ورباط العشرة (للعزاب فقط)، ورباط العشرة للعازبات فقط . وقد كثرت الأربطة فيها لأن غالبيتهم كانوا من الأغوات ، وأموال الآغا تتحول بعد موته إلى وقف وأربطة ، كما كان في حارة الأغوات بئر ماء تسمى عين الحارة وترجع تسميتها بهذا الاسم لأن أغلب الأغوات يسكنون فيها لقربها من المسجد النبوي ، وهو ما يفسر ازدحام الأربطة والمدارس في هذه الحارة . وقد هدمت هذه الحارة وأزيلت ودخلت المسجد النبوي الشريف في توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد رحمه الله تعالى .
10 _ عزل أحد الأغوات لظهور علامات الرجولة عليه :
من وثائق المدينة المنورة : كلمة آغا تركية قديمة كما تقدم ، ولها عدة معان منها السيد ، وقد أطلق هذا اللقب على نوع من الخدم فاقدي الرجولة ، تُجرى له وهو صغير عملية تعطيل الخصيتين ، وقليل منهم يكون فاقد الرجولة لعيب خلقي ، ويستخدم هؤلاء في البيوت وفي أجنحة النساء للاستفادة من قوتهم البدنية . وقد ورد في تراجم كل من نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي أنهما خصصا للمسجد النبوي عددًا من هؤلاء الخدم ، وجعلوهم منقطعين للعمل فيه ، ومع أن الإسلام لا يعرف نظام السدنة ولا يقره ، ولا يجيز عملية الخصاء .
فقد صار هؤلاء الأغوات لازمة من لوازم المسجد النبوي لقرون كثيرة ، وصارت لهم مكانة متميزة ؛ بسبب ارتباطهم بهذا المكان المتميز ، ووُضع لهم نظام دقيق ، وصُنِّفوا في طبقات ، وعُيِّن لهم رئيس ، وأُوقفت عليهم الأوقاف ، وخُصِّصت لهم عائدات صناديق النذور أو معظمها ، كما كانت تُرسل إليهم الهدايا ، وكان يُنظر إليهم دائمًا على أنهم من العبَّاد الزُّهَّاد الصالحين . وتُظهر الوثائق تاريخًا حافلاً للأغوات في العهد العثماني يشكل مادة ثرية لكتاب أو رسالة جامعية شيقة ، تراوح بين التميُّز في العبادة والعلم ، والانخراط في صراعات مراكز القوى ودهاليز السياسة ، وكتبت رسائل وقصائد في مدحهم ، وأخرى في ذمهم ، ولكن اللافت للنظر هو هذا الإصرار الإداري على أن يكونوا فاقدي الرجولة إلى درجة أن يعزل أحدهم عندما تظهر عليه بوادر الرجولة ؛ كاللحية والشارب ، وأن يعد ذلك نوعًا من المرض كما تقول الوثيقة !! ، وكأن الأمر تحول من تفضيل إلى عرف ، ثم إلى قاعدة إدارية .
وهذه وثيقة من تاريخ المسجد النبوي الشريف ، وهي واحدة من وثائق فرع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالمدينة المنورة برقم 6/176 ، وهي مسودة خطاب أرسلته إدارة المسجد النبوي آنئذ إلى وزارة المالية في استانبول تطلب تسوية راتبه التقاعدي . وهذا نص الرسالة وقد أرفق معها تقرير طبي :
( من مشيخة ومديرية المسجد النبوي إلى نظارة الأوقاف الهمايونية الجليلة .
بناء على تقرير الطبيب المرفق طيه مع القرار المرفوع لمقام نظارتكم من خلال الصور المصدقة ؛ فإنه وبسبب ظهور علامات الرجولة على ياقوت آغا ، وهو من أغوات الحرم النبوي الشريف ، ولم تعد لديه الصلاحية للعمل بالحجرة المعطرة ، وبناء على هذا السبب الذي يعد نوعًا من المرض ، فقد تم شطب قيده ، مما يقتضي اتخاذ إجراءات التقاعد بالنسبة له ، ولقد تم إرسال مخصصاته لدى وزارة المالية إلى المديرية العلية ، والأمر لكم ).
وفي الختام هذه صفحة من حياة الأغوات قامت في الحرمين الشريفين منذ أربعة عشر قرنا وشارفت حاليا على الانتهاء والزوال في أيامنا هذه . وهي بإيجابياتها وسلبياتها كانت ومازالت واقعا ملموسا في حياتنا عسى أن يستفيد منها أبناؤنا وشبابنا . وأن يحاولوا تغطية وظائفها ومهامها وأعمالها .
وأخيرا أشكر حسن استماعكم وإنصاتكم . وأعتذر إذا كنت قد أطلت عليكم والسلام عليكم ورحمة وبركاته . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالين .
ألقيت هذه المحاضرة في منتدى الشاعر الشيخ : خالد النعمان مساء يوم الجمعة في 2 جمادى الأولى 1431 هـ . الموافق 16 نيسان 2010
المحاضر الدكتور : صلاح الدين عباس شكر
وفي نهاية الندوة وانتهاء المداخلات من الإخوة الفضلاء . أشكر الأستاذ الدكتور : عبد العزيز القايدي ، والأستاذ الدكتور : عبد الله أبو سيف ، والأستاذ الدكتور : حمزة حافظ ، والدكتور : تركي ، والدكتور : محمد ، ومشاركة الشاعر الشيخ : خالد النعمان ، والأستاذ الأديب : أحمد سلم ، والأستاذ الاجتماعي : محمد صالح عسيلان ، والأستاذ : عبد الغني عباسي ... أشكر الجميع على مداخلاتهم وتعليقاتهم ومشاركاتهم التي أثرت المحاضرة وزادتها جمالا وبهاء .
وسوم: العدد 679