البهاء وثقافة الحياة

الصّلف الصّهيوني باحتجاز جثامين الشّهداء منذ أكثر من عشرة شهور، لا يشكّل انتهاكا لحقوق الانسان، ولاتفاقات جنيف الرّابعة بخصوص الأراضي التي تقع تحت الاحتلال العسكريّ، وللقانون الدّولي فحسب، بل يتعدّى ذلك إلى المسّ بحرّيّة العبادة والمعتقد الدّيني، وإلى العقوبات الجماعيّة التي تندرج تحت باب"الجرائم بحقّ الانسانيّة"، فالمماطلة بتسليم الجثامين تهدف إلى تعذيب ذوي الجثامين المحتجزة، واللعب بأعصابهم.

 والسّاديّة الصّهيونيّة في التّعامل مع الغرباء"الغوييم" ليست جديدة، فهي تربية وسلوك، نابعة من فكر عنصريّ لا يحترم انسانيّة الآخرين، ويتعامل معهم بعقليّة فوقيّة وإيمان فوقيّ، ويعزّز ذلك عندهم الحماية التي توفرها لهم الدّولة الأعظم وهي أمريكا، والتي تمنع إدانتهم في المحافل الدولية مهما خالفوا القانون الدولي، ومهما تمرّدوا على قرارات الشّرعيّة الدّوليّة. وهذا يعزّز لديهم إيمانهم بأنّ الله خلق الآخرين وسخّرهم لخدمتهم.

 ومن هذه المنطلقات جاءت مقولة جولدة مائير رئيسة وزراء اسرائل السّابقة قبل عشرات السنين :"لن نسامح العرب لأنّهم يجبروننا على قتلهم"! وهي بهذا تقتل، وتتبرّأ من جريمة القتل وتحمّلها لضحاياها القتلى!

وهذا أيضا نهج فكريّ وممارسة، فاسرائيل تحتلّ الأراضي العربيّة، وتصادرها وتستوطنها، وتقتل وتدمّر وتهلك البشر والشّجر والحجر، وتسوّق نفسها على أنّها ضحيّة، وتجعل ضحاياها ارهابيّين، وتتنكّر لأسباب العنف في المنطقة، والذي يرتكز في أساسه على استمرار الاحتلال الذي يعتبر جريمة حرب بكلّ المقاييس، وما استمرار الاحتلال وموبقاته، وهروب اسرائيل من متطلبات السّلام العادل إلا حاضنة للعنف، ومزرعة لتفريخ فكر التّطرّف الذي لن ينجو من ناره أحد، ويشكّل تهديدا للسّلم العالمي.

وما استمرار احتجاز جثامين الشّهداء، ومنهم بهاء عليان الذي استشهد في 13 أكتوبر 2015، ومواصلة تعذيب ذويهم إلا تغذية مقصودة للأحقاد التي تندرج في إطار محاربة أيّ أمل في تحقيق السّلام، لأنّ الفكر الصّهيونيّ الذي يؤمن به نتنياهو يقوم على التّوسع، ومعاداة السّلام. وإذا كانت جولدة مائير لن تسامح ضحاياها وتحمّلهم مسؤولية سفك دمائهم، فإن بهاء عليّان وصحبه المحتجزين في الثّلاجات، يضحكون من هذا الغباء السّياسيّ والأخلاقيّ، لأنّ أرواحهم طليقة عند خالقها، في حين أنّ والد البهاء رغم معاناته كأب ثاكل، يواصل بوعي تامّ طريقه الانسانيّ في نشر ثقافة الحياة بدل ثقافة الموت.

وسوم: العدد 680