تقاطعات فكرية
لا يمكن لأي إنسان أن يتوافق مع إنسان آخر بكل الأفكار و الاعتقادات و العادات مهما كانت درجة القرب بينهما ،حتى التوأم الحقيقي تراهم مختلفين في كثير من الأفكار و الإعتقادات.
و أثبتت الدراسات أن الزوجين مهما كانت بينهما علاقة حب و درجة قرابة ، فإنهما يحتاجان إلى خمس سنوات - على الأقل - من العيش المشترك في الحياة الزوجية حتى يزيلا الخلافات الفكرية بينهما هذا في حالة التوافق و المحبة.
والله عز و جل قال( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ...) آل عمران 64
فالإنسان خلق لكي يعيش مع أخيه الإنسان ،مهما كانت الإختلافات الفكرية و العقائدية بينهما، و ليس من أجل إقصائه و إلغائه و قتله.
فمن واجب الإنسان أن يبحث عن نقاط الإلتقاء مع أخيه الإنسان لكي يبني معه - من خلال تلك النقاط - علاقة ود و تواصل، وليس العكس كما يفعل البعض اليوم حيث يرفض كل من يخرج عن مسار إيديولوجيته و لو قيد إنملة، و الرفض يصل إلى حد الإقصاء و القتل.
و التجربة التركية بالأمس القريب كانت مثالا حياً على ذلك،حيث أن الشعب التركي بمختلف أحزابه و تناقضاتها و بمختلف قومياته و بمختلف أديانه وضع تركيا الوطن حلقة تقاطع للجميع و حقق معجزة تاريخية بإنقاذ تركيا من دمار محتم.
و الأمتان العربية و الإسلامية ،و رغم كل ما تتعرضان له من تكالب الأعداء عليهما، و رغم كل ما يحيط بها من مخاطر تهدد وجودهما، إلا أن التطرف بات خطرا يهدد تمزيقهما و تفتيتهما من الداخل و يسرع في وتيرة القضاء عليهما .
و لكي نكون منصفين فإن التطرف الحاصل اليوم ليس تطرفا دينيا إسلامياً فقط ،كما يروج الإعلام المعادي لذلك،بل إن التطرف يكاد يطال كل الشرائح و كل الإنتماءات و كل الإيديولوجيات.
و لو أخذنا شريحة العلمانيين مثلا لوجدناهم لا يقلون تطرفاً عما يسمون متطرفون إسلاميون ، حيث أن العلمانيين يعارضون أية إيديولوجية إسلامية مهما كانت ،رغم أن الشعوب التي يعيشون بينها شعوب إسلامية بالكامل تقريباً.
فكما أسلفنا في البداية لا يمكن ان يكون هناك شخصين متوافقين فكريا بالكامل مهما كان،و لكن بالمقابل لا يمكن لأي شخصين أن يكونا متناقضين فكريا بكل شيء ، فلا بد من وجود حلقة فكرية يتقاطعان فيها.
من هو المتطرف ؟ و من هو المتسامح؟.
المتطرف هو الشخص الذي يحشر نفسه في الزاوية البعيدة من مساحة التقاطع الفكري مع الآخرين،و المتسامح هو الشخص الذي يجلس ضمن دائرة التقاطع الفكري مع الآخرين .
و بعيدا عن الإيديولوجيات فالإنسانية لوحدها تعتبر حلقة تقاطع كافية لكي تجمع كل البشرعلى وجه المعمورة ، و من هنا جاءت الآية الكريمة ( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ...) الحجرات 13
ما يهمنا بعد كل تلك المقدمة،نحن كسوريين لا نريد ان نتقاطع اليوم مع البشرية ،لأن البشرية – مع كل أسف - تخلت عن إنسانيتها تجاه ثورتنا ،و هي التي جلست في الزاوية البعيدة و تطرفت و ابتعدت عنا ، وتركتنا وحيدين نواجه موتنا ،لكن ما يهمنا نحن السوريون تجاه بعضنا البعض أن نجعل الثورة حلقة تقاطع تجمعنا جميعاً ، و لننسى كل ما بيننا من اختلافات و خلافات و لنتوحد على إنقاذ ثورتتنا كما توحد الأتراك من أجل إنقاذ تركيا،و تجربة حلب ليست ببعيدة عما أقول ، و المطلوب توسيع تلك الدائرة لتشمل كل سوري قال لا لآل الأسد بعيداً عن أية تفاصيل.
وسوم: العدد 682