لماذا يعدّد الأزواج ؟
قالت : أريد منك أن توضح لي : لماذا يتزوج الرجل امرأة أخرى ؟ لماذا لا يكتفي بزوجته الأولى ؟ أليس هذا خيراً له من أن يتوزع اهتمامه ووقته وماله وجهده بين امرأتين وبيتين ؟! أرجو أن تعدد لي جميع الأسباب التي يمكن أن تدفع الرجال إلى الزواج الثاني والثالث والرابـع ، سواء أكانت هذه الأسباب مقنعة أم غير مقنعة ، مبررة أم غير مبررة .
ثم أريد أن أسأل : ألا يمكن لعدم العدل أن يمنع الرجل من أن يعدد الزوجات انطلاقاً من قوله تعالى : (( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة )) ؟
قلت لها : طلبت أن أذكر لك الأسباب التي يمكن أن يدفع أحدها إلى زواج الرجل بأكثر من امرأة ، سواء أكانت هذه الأسباب مبررة – أم غير مبررة ، كما جاء في سؤالك ، وسأحاول أن أعرض بعضها ، ثم أعلق عليها .
من هذه الأسباب :
إهمال الزوجة ما عليها من حقوق تجاه زوجها يدفعه إلى الإحساس أن زوجة أخرى يمكنها أن تعطيه الحقوق التي يفتقدها من الزوجة الأولى .
سخرية الزوجة المتكررة من زوجها ، وتهكمها الدائم على حديثه أو شكله أو أهله ، يجعلان زوجها مدفوعاً إلى الانتقام الذي يُعَدُّ الزواج الثاني واحداً من أساليبه أو وسائله .
امتناع الزوجة من فراش زوجها حين يدعوها لتلبية الحاجة الأولى التي يتزوج من أجلها الرجل … يجعله يبحث عن امرأة أخرى تلبي له هذه الحاجة التي يعف بها نفسه .
كون الزوجة الأولى عاقراً مع حب الزوج للأطفال قد يدفعه إلى الزواج من امرأة أخرى يرزق منها بالذرية .
تعلق الزوج بفتاة أو امرأة يصدفها في طريقه أو عمله فيفكر في الزواج منها دون أن تكون له حاجة ، ودون أن تكون زوجته مقصرة أو ممتنعة أو عاقراً .
مرض الزوجة مرضاً يقعدها عن أداء حقوق زوجها ويضطر معه الزوج إلى الزواج من أخرى ترعاه وأولاده وقد ترعى حتى زوجته الأولى .
ندية الزوجة ، وعدم طاعتها زوجها ، وتحديها المستمر له ؛ هذا كله يجعل الزوج يكره الجلوس في البيت ، ويجعله يهرب من زوجته ، وينفر منها ، ومن ثم نجده يأمل أن يتزوج امرأة أخرى تطيعه ، ولا تخالفه ، ولا تتحداه ، وتكون له السكن الذي افتقده في الزوجة الأولى .
ثراء الزوج وفيض المال بين يديه قد يدفعه إلى أن تكون له أكثر من زوجة وإلى أن تكون عنده ذرية كثيرة .
هذه مجموعة من الأسباب التي قد يدفع واحد منها أو أكثر إلى أن يقدم الزوج على الزواج من ثانية وثالثة .
وكما لاحظت فإن من الأسباب ما هو مبرر ومنها ما هو غير مبرر ، ومنها ما يمكن للزوجة أن تصححه ومنها ما لا حيلة لها فيه .
فإهمال الزوجة ما عليها من حقوق تجاه زوجها تستطيع تصحيحه بأن تبادر إلى إقلاعها عن ذاك الإهمال ، وأن تعمل على الاهتمام بزوجها وتوفيته حقوقه ، وكذلك امتناعها من فراش زوجها ، بينما لا حيلة للمرأة العاقر في حرمان زوجها من الأطفال ، وكذلك التي أصيبت بمرض أقعدها عن أداء حقوق زوجها .
ولا شك في أن ضخامة المسؤوليات ، وكثرة الأعباء المادية والمعنوية ، تحول دون إقدام كثيرين من الأزواج على التعدد ؛ ولهذا فإن نسبة من تزوج بأكثر من واحدة يقل عن عشرة في المئة في أكثر بلدان المسلمين ؛ بل إن النسبة في بعضها تقل عن خمسة في المئة ، بينما تصل نسبة الأزواج الذين يقيمون علاقات غير شرعية في دول أوروبا وأميركا إلى أكثر من سبعين في المئة حسب الإحصاءات الرسمية الصادرة هناك .
ومن هنا فإننا ندرك أن التعدد في الإسلام يلزم الرجل بواجبات كثيرة وأداء حقوق ضخمة تجاه كل زوجة ، وهذا ما يجعله يفكر كثيراً ويحسب كثيراً قبل أن يقدم على الزواج من امرأة أخرى ؛ بينما لا يفكر كثيراً الزوج الذي يريد أن يقيم علاقة غير شرعية مع امرأة لا يحمل تجاهها أي واجبات ولا يؤدي لها أي حقوق .
ولقد سألت ، اختنا الفاضلة ، إذا كان لعدم العدل أن يمنع الرجل من أن يعدد الزوجات انطلاقاً من قوله تعالى : (( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة )) ؟
أجيبك فأقول : نعم ؛ يمكن لعدم العدل أن يمنع الرجل من أن يتزوج امرأة أخرى من زوجته .. بل مجرد خشية عدم العدل تكفي لتحرم على الرجل الزواج من امرأة أخرى ، كما قال تعالى : (( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة )) ، فقد أفادت الآية أن العدل شرط لإباحة التعدد ، فإذا خاف الرجل عدم العدل بين زوجاته إذا تزوج أكثر من واحدة ، كان محظوراً عليه الزواج بأكثر من واحدة .
ولا يشترط اليقين من عدم العدل لحرمة الزواج بثانية ، بل يكفي غلبة الظن ، فإذا كان غالب ظنه أنه إذا تزوج زوجة أخرى مع زوجته لم يستطع العدل بينهما حرم عليه هذا الزواج .
والمقصود بالعدل المطلوب من الرجل لإباحة التعدد له هو التسوية بين زوجاته في النفقة والكسوة والمبيت ونحو ذلك من الأمور المادية مما يكون في مقدوره واستطاعته .
أما التسوية بين زوجاته في المحبة وميل القلب ونحو ذلك من الأحاسيس ، فهذه الأمور غير مكلف بها ، ولا مطالب بالعدل فيها بين زوجاته ، لأنه لا يستطيعها ، وهذا معنى قوله تعالى : (( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم )) ، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يقول : (( اللهم هذا قَسْمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك )) أي في المحبة لبعض زوجاته أكثر من بعضهن الآخر .
وهناك شرط ثـان إذا لم يتوفر لم يحل للرجل الزواج من ثانية ، بل لم يحل له الزواج من الأولى ، وهو القدرة على الإنفاق عليها ، فكيف يتزوج الثانية وهو لا يؤدي حقوق الأولى ؟!
ويشرح هذا الدكتور عبدالكريم زيدان في كتابه (( المفصّل في أحكام المرأة )) فيقول : إذا كان عاجزاً عن الإنفاق على زوجتـه الثانيـة مع الأولى حرم عليه الزواج بالثانية ، وقد دل على هذا الشرط – شرط الإنفاق – قولـه تعالى : (( وليستعفف الذيـن لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله )) ، فقد أمر الله تعالى بهذه الآية الكريمة من يقدر على النكاح ولا يجده – بأي وجه تعذر – أن يستعفف ، ومن وجوه تعذر النكاح من لا يجد ما ينكح به من مهر ، ولا قدرة له على الإنفاق على زوجته ، كما قال القرطبي .
إن الإقدام على الزواج بثانية – مع علم الزوج بعجزه عن الإنفاق عليها مع الأولى – عمل يتسم بعدم المبالاة بأداء حقوق الآخرين ، ويعد نوعاً من أنواع الظلم ، والظلم لا يجوز في شرعة الإسلام .
وبناء على جميع ما تقدم ، يعد من الظلم المحظور أن يقدم الرجل على الزواج بأخرى مع وجود زوجة عنده ، مع علمه بعجزه عن الإنفاق على زوجته الجديدة والقديمة .
ولقد أعجبتني كلمة حكيمة تقول : لو أن الرجل عرف طبائع النساء لاكتفى بزوجته ، وذلك أن الزوج الذي يضيق بطباع في زوجته ويبحث عن امرأة أخرى يتزوجها سيكتشف بعد زواجه منها أن فيها ما اشتكاه في الأولى من طباع ، من مثل كثرة البكاء ، والعناد ، ودوام التسخط ، وعدم الرضا ، وقلة الشكر ،، وغيرها من الطباع التي تكاد تكون مشتركة بين أكثر النساء .
وأخيراً يبقى سؤالك : لماذا لا يكتفي الرجل بزوجته الأولى ؟ أليس هذا خيراً له من أن يتوزع اهتمامه ووقته وماله وجهده بين امرأتين وبيتين ؟
وأجيبك : في عدد غير قليل من الحالات فإني أقول : نعم ، اكتفاؤك أيها الرجل بزوجة خير لك من توزيع اهتمامك ووقتك ومالك وفكرك وحبك بين امرأتين وبيتين . ودونك هذه الأبيات التي عبر بها صاحبها عن هذه الحال خير تعبير :
تزوجت اثنتيــن لفرط جهلي بـما يشقى بـه زوج اثنتيـن
فقلت أصير بينهما خروفــاً أُنَـعَّمُ بيـن أكـرم نعجتيــن
فصرت كنعجة تضحي وتمسي تـداول بيـن أخبـث ذئبتيـن
رضا هذي يهيج سخط هـذه فما أنجو من إحدى السخطتين
وألقى في المعيشة كــل ضُرٍّ كـذاك الضرُّ بيـن الضرتيـن
لهذي ليلــةٌ ولتـلك أخـرى عتـابٌ دائـمٌ في الليـلتيـن
وسوم: العدد 683