طه حسين يدافع عن دعوة محمد بن عبد الوهاب !
كانت دهشتي كبيره عندما كشف لي الدكتور محمد عمارة في كتابه الجميل "طه حسين من الانبهار بالغرب الي الانتصار للاسلام" ، الذي صدر هذا الشهر ملحقا بمجله الازهر ، عن اوراق مجهوله من تراث عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين ، وكيف لا تندهش وانت تقرا للرمز الكبير الذي سوقه التغريبيون علي انه ادار ظهره للهويه الاسلاميه ويمم وجهه شطر الفكر الغربي والتنوير الغربي ، فاذا بك امام رجل شديد الاعتزاز بهويته وبدينه ، ويدافع بكل قوه عن دعوات التجديد الديني التي شهدها العالم الاسلامي في العصر الحديث ،
وقد توقف طه حسين عند دعوه الشيخ محمد بن عبد الوهاب في جزيره العرب ، وابدي اعجابه الشديد بدعوته ، وقال انها في جوهرها دعوه لاعاده الاسلام الي صفائه ونقائه وتوحيده الخالص كما جاء به النبي الكريم في اول الدعوه
بل تزداد دهشتك عندما تقرا لطه حسين ، وهو المصري المعتز بمصريته الي ابعد الحدود ، ينتقد تدخل مصر في جزيره العرب ضد دعوه ابن عبد الوهاب ، ويقول ان تدخل الترك والمصريين ضد الدعوه حرم العالم العربي من نور تجديدها الذي كان من شانه توحيد العرب علي الاسلام الخالص كما اتي به النبي الكريم صلي الله عليه وسلم .
ويمضي بنا كتاب عماره الي مقال جميل كتبه الدكتور طه حسين في مجله الهلال ، عدد مارس لعام 1933 ميلاديه ، خصصه للحديث عن الوهابيه والسلفيه ، فكتب يقول : (ان مذهب محمد بن عبد الوهاب جديد قديم معا ، جديد بالنسبه للمعاصرين ، ولكنه قديم في حقيقه الامر ، لانه ليس الا الدعوه القويه الي الاسلام الخالص النقي المطهر من كل شوائب الشرك والوثنيه ، هو الدعوه الي الاسلام كما جاء به النبي خالصا مما اصابه من نتائج الجهل ومن نتائج الاختلاط بغير العرب ، فقد انكر محمد بن عبد الوهاب علي اهل نجد ما كانوا قد عادوا اليه من جاهليه في العقيده والسيره ، كانوا يعظمون القبور ويتخذون الموتي شفعاء ، ويعظمون الاشجار والاحجار ويرون ان لها من القوه ما ينفع وما يضر) .
ثم يستعرض طه حسين في مقاله التاريخي اوجه التشابه بين دعوه ابن عبد الوهاب والدعوه النبويه الكريمه في اول عهدها فيقول :(ومن الغريب ان ظهور هذا المذهب الجديد في نجد قد احاطت به ظروف تذكر بظهور الاسلام في الحجاز ، فقد دعا صاحبه اليه باللين اول الامر فتبعه بعض الناس ، فلما اظهر دعوته اصابه الاضطراب وتعرض للخطر ، ثم اخذ يعرض نفسه علي الامراء ورؤساء العشائر كما عرض النبي نفسه علي القبائل ، ثم هاجر الي الدرعيه وبايعه اهلها علي النصر كما هاجر النبي الي المدينه ، ولكن ابن عبد الوهاب لم يرد ان يشتغل بامور الدنيا ، فترك السياسه لال سعود واشتغل هو بالعلم والدين ، واتخذ السياسه واصحابها اداه لدعوته) .
وياسف طه حسين في مقاله التاريخي من وجود عوائق منعت الدعوة الوهابية من الوصول الي مصر وباقي البلاد العربيه حينها ، فكتب منتقدا الدور التركي "العثماني" والمصري حينها ويقول : (ولولا ان الترك والمصريين اجتمعوا علي حرب هذا المذهب ، وحاربوه في داره بقوه واسلحه لا عهد لاهل الباديه بها ، لكان من المرجو جدا ان يوحد هذا المذهب كلمه العرب في القرن الثاني عشر للهجره كما وحد ظهور الاسلام كلمتهم في القرن الاول ، ولقد ترك هذا المذهب اثره في الحياه العقليه والادبيه عند العرب ، وكان هذا الاثر عظيما خطيرا في نواح مختلفه ، فهو قد ايقظ النفس العربيه ووضع امامها مثلا اعلي احبته وجاهدت في سبيله بالسيف والقلم واللسان ، وهو قد لفت المسلمين جميعا ، واهل العراق والشام ومصر بنوع خاص الي جزيره العرب ، ولقد استدعي الصراع الفكري بين الوهابيين وخصومهم الرجوع الي كتب التراث ونشر الرسائل والكتب التي يؤيد بها كل فريق مذهبه ، فنشرت كتب ابن تيميه وابن القيم واستفاد العالم العربي كله من هذه الحركه العقليه الجديده) .
ويزيد طه حسين في توضيح الاثر الرائع والكبير لدعوه محمد إبن عبد الوهاب علي صعيد فنون الشعر والادب العربي ، وكيف احدثت نهضه كبري فيه فكتب يقول : (وظهر حول الامراء المجاهدين من اهل نجد جماعه من الشعراء عادوا بالشعر الي الاسلوب القديم ، واسمعونا في القرن الثاني عشر والثالث عشر في لغه عربيه فصيحه هذه النغمه العربيه الحلوه التي لم تكن تسمع من قبل ، النغمه التي لا تقلد اهل الحضر ولا تتكلف البديع ، وانما تنبعث حره ، تحمل كل ما تجيش به نفس صاحبها من عزه وطموح الي المثل العليا، ورغبه قويه في احياء المجد القديم ) .
هذا ما كتبه طه حسين عن دعوه الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتجديدها في الدين والعلم والسياسه والادب ، ويتحسر الرجل علي ان العوائق منعتها من توحيد بلاد العرب جميعا علي المذهب التجديدي الذي اعاد الاسلام الي صفائه ونقائه الذي اتي به اول مره ، حسب وصفه ، وانا واثق ان هذا المقال لو تم عرضه مع حجب اسم كاتبه ، لتصور من يقرؤه انه لاحد الدعاه السلفيين من اشد المتحمسين لدعوه ابن عبد الوهاب رحمه الله ، ورحم اديبنا الكبير .
وسوم: العدد 684